إن ديمقراطيةً توضع خطوطها العريضة في (قُم)، وتُعتمدُ خططها في النجف وكربلاء، وتمارس بقوة النفوذ والسلطة والسلاح هي ديمقراطية عرجاء تُدار من خارج الدار وهيمنة سياسيي المنطقة الخضراء، والذين تعج بهم الساحة السياسية العراقية في عملية إحلال السياسة والمواطنة بالسياسة المتدينة والمواطنة المذهبية، التي ساهمت بدورها في انهيار النسيج الاجتماعي وغياب اللامركزية السياسية، وتوسع دائرة العنف، التي ولدت عنفاً مضاداً بعد رحيل المكون الفاعل في التماسك السياسي والاجتماعي، وإنْ كان استبدادياً، والذي كان ُيمارس من قبل «الرئيس والدستور والبرلمان»، الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي سقطت بعده منظومة الهوية الجامعة، والتي قد لا تتوافق مع الوعي الشعبي للقوميات العراقية، والعقد الاجتماعي القهري في العراق. فالسياسة العراقية هي سياسة شُعبٍ حزبية لاجتثاث مفهوم الدولة الحديثة، حيث يسود في الجانب الشيعي الخطاب الشعوبي، أما التنفيذ فهو إقصائي سياسي طائفي، ومن جهة أخرى يتأرجح الخطاب السُّني بين البعد القومي والتنظيمي، وفي كل الأحوال رافض لتحول العراق لمحافظة إيرانية، وتحييد الساسة والناشطين المعارضين من السُّنة والشيعة على حد سواء، واستهداف كل معارض واتهامه بالإرهاب والخيانة وغياب الدوافع الوطنية لتصدر مذكرات إلقاء القبض والاعتقال بطرق عشوائية لا تتوقف. وقد أضحى العراق ساحة تصفية حسابات وتضليل ممنهج لإخفاء حقيقة أن صناعة الموت التي تحمل ماركة «داعش» هي صنيعة من أراد التدخل العسكري في العراق وسعى لإشعال المنطقة، كي يخرج الاستعمار الأميركي، ويحل بدلاً منه الاحتلال الإيراني الغاشم، وتأكيد حضور وسيادة دولة الملالي في العراق والشام. ويختزل توصيف المشهد العراقي في أن منتسبي الميليشيات الشيعية والجيش العراقي المتحول من جيش الأمة إلى جيش الطائفة هم من يدحضون قوى الشر في العراق، وإنْ سألتهم منْ أخرج زعماء «داعش» من سجن «أبوغريب»، وكسر السجون ليخلق أسطورة «داعش»، وارتكب أبشع جرائم التهجير والتطهير المذهبي والعرقي؟ ستجدهم وكأن على رؤوسهم الطير! إن تصوير تنظيم «داعش» بأنه ممثل السُّنة قي العراق، وجعل ترميم السياسة العراقية يتمحور حول قبول الفصيل السُّني بولاية الفقيه «النموذج العراقي» كنظام ديمقراطي في العراق هو نوع من الابتزاز السياسي الرخيص بعد تطويق قوى الصحوة السُّنية والمعارضة الوطنية غير الدينية وغض الطرف عن ممارسات الميليشيات الشيعية الموالية لطهران والمسيطر عليها من قبل «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو الخطر الأكبر على بقاء كيان الدولة العراقية والمجتمع المدني العراقي إن بقي هناك مجتمع مدني في العراق اليوم! وبينما هناك راعٍ رسمي للأكراد وراعٍ دولي للشيعة، يبقى السُّنة منقسمين على أنفسهم، وهدفاً سهل الوصول إليه واقتلاع جذوره وهم من لا يملكون بوصلة تشير لهم أين هو الاتجاه الصحيح وكيف السبيل للخروج من هذا المأزق! كما يعتقد البعض أن العرب السُّنة لا يجتمعون إلا على طاغية أو سلطان، فهل حان الوقت لمستقبل عراقي بحكومة عُمالية دستورية ومن سيسمح بذلك؟ فبعد 2003 هناك حرب إقليمية غير مباشرة لولادة جديدة لشرق أوسط جديد، يعيد صياغة معادلة النفط والغاز مقابل الأمن وتحالف «الحزم» العربي هو استعداد لما بعد مرحلة حسم الملف النووي. وفي المقابل بالداخل العراقي هناك حروب وصراعات بين نواب وكتل في البرلمان العراقي لتحديد هوية العراق بينما المؤسسات العراقية ككل مخطوفة من قبل ولاية الفقيه الإيرانية والكتل الشيعية تمهد لولاية الفقيه العراقية بتشكيل لجنة عليا من البرلمانيين مكونة من فقهاء في الشريعة الإسلامية، مهمتها تدقيق القوانين التي يُصادق عليها المجلس التشريعي للتأكد من تطابقها مع الإسلام وأي قانون لا يتوافق مع الإسلام بنسخته الإيرانية الطائفية ليس له مكان في البرلمان. وهناك تحيز واضح من قيادات البرلمان والحكومة لتطبيق (حكم ولاية الفقيه) تحت مسميات خاصة بالحالة العراقية، وفي ظل تلك الوتيرة من الانقسامات والتأثير الخارجي وتعدد الولاءات، فإن الدولة العراقية تنهار لتفسح المجال لقيام دولة ولاية الفقيه الكبرى، التي تضم إيران والعراق وأجزاء من سوريا ولبنان، وإذا نجح المخطط الأكبر سترى ربيعاً برلمانياً إسلامياً في بعض دول الجوار، وستنشط القوى الموالية للتنظيم الدولي لجماعة ولاية الفقيه في المنطقة والعالم الإسلامي الشيعي، فهل نجحت ولاية الفقيه من اختطاف الساسة الشيعة في العراق من إنسانيتهم ووطنيتهم وتبعتهم الفئات الطائفية المنقادة من الشعب؟ ولماذا لم تصنف جماعة ولاية الفقيه كجماعة إرهابية حتى الآن؟