في بلاد «زايد الخير» لا تتوقف المبادرات التي تعمل على نشر قيم الخير والعمل بها داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها، وفي هذا السياق يأتي إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2017 عاماً للخير تتركز فعالياته ونشاطاته ومبادراته في ثلاثة محاور أساسية: أولها، ترسيخ المسؤولية المجتمعية لدى مؤسسات القطاع الخاص. وثانيها، ترسيخ روح التطوع وبرامج التطوع التخصصية في فئات المجتمع كافة. وثالثها، ترسيخ خدمة الوطن لتكون رديفاً دائماً لحب الوطن لدى الأجيال الجديدة. ولعل ما يزيد من أهمية هذه المبادرة «عام الخير» أنها جاءت بعد مبادرتَي عام الابتكار في 2015، وعام القراءة في 2016، والنجاح الكبير الذي حققته المبادرتان وما تركتاه من أثر إيجابي على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، ما يؤكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد غدت عنواناً للمبادرات الكبرى والتاريخية التي تمثل نقاط ضوء تسطع من منطقة الشرق الأوسط برغم كل مساحات الصراع والاضطراب والدم فيها لتبعث الأمل في نفوس، ليس فقط الإماراتيين وإنما العرب والمسلمين وكل الذين يتمنون الخير والاستقرار والأمن لمنطقتنا والعالم، ولتؤكد أن الفعل الإيجابي ممكن على الدوام لمن يمتلك رغبة البناء يتحدى بها كل نزعات الشر والهدم والتخريب والصراع التي لا ينظر أصحابها إلى العالم إلا بمنظار أسود ولا يعملون إلا على إشاعة الفوضى والدمار والخراب بين ربوعه. لقد غيرت دولة الإمارات العربية المتحدة الصورة النمطية السلبية التي استقرت في أذهان الشعوب العربية خلال العقود الماضية حول الشعارات والمشروعات الكبرى التي تم إطلاقها بسبب الإخفاقات والانتكاسات المؤلمة التي تعرضت لها هذه المشروعات وانكشاف خوائها أو خواء الكثير منها، لكن الأمر على المستوى الإماراتي مختلف كلياً، فمع كل مبادرة إماراتية برنامج عمل واستراتيجية واضحة للتنفيذ على أرض الواقع وهذا يضمن جدية المبادرة وتحقيقها لأهدافها المرجوة وتأثيرها في المجتمع المحلي والإقليمي والعالمي، وهذا ما يتجسد بوضوح في مبادرة «عام الخير» التي تشمل ثلاثة محاور أساسية كما سبقت الإشارة، كما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «بنك الإمارات للطعام» ليكون أحد التجليات المهمة والأساسية لها، وهذا ما ينطبق على كل المبادرات الأخرى دون استثناء، فقد شهد عام القراءة 2016، على سبيل المثال، أكثر من 1500 برنامج وفعالية محلية وعربية وإقليمية، وصدر القانون الوطني للقراءة كأول قانون من نوعه في المنطقة، كما تم تدشين صندوق لدعم القراءة بقيمة 100 مليون درهم، وغيرها من المبادرات والإجراءات والفعاليات التي حولت المبادرة إلى عمل مؤسسي مستمر ومتطور وليست مجرد عمل مؤقت ينتهي بانتهاء الفترة الزمنية المحددة له. وهكذا فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تطلق شعارات جوفاء أو بلا مضمون لاكتساب شهرة مؤقتة أو جلب إشادة غير مستحقة وإنما تقدم على خطوات مدروسة تعرف أهدافها بدقة وتمتلك إمكانات تطبيقها وترى طريقها بوضوح وتعرف إلى أين ستصل من خلاله. إن الفلسفة التي تقف وراء مبادرة عام الخير تدفعني إلى القول بكل ثقة واطمئنان، إن هذه المبادرة جاءت في وقتها تماماً وسوف تكون لها نتائجها الكبرى، سواء على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة أو العالم العربي. حيث ترسخ لمفهوم العطاء للوطن الذي يحتاج إلى تفاني كل أبنائه في خدمته وصيانة مكتسباته، وقد عبّر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن هذا المعنى بقوله: المواطنة الحقيقية ليست أخذاً باستمرار، بل عطاء يصل إلى حد إفناء الذات في سبيل الوطن. لقد قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة لشعبها الكثير ووفرت له من الرفاهية والكرامة والاستقرار ما يحسده عليه الكثير من شعوب الأرض، وحان الوقت لكي يرد أبناء الوطن الجميل وأن يقوموا بدورهم في صيانة وطنهم والعمل الطوعي من أجل أمنه واستقراره وتقدمه. ولاشك في أن هناك نماذج إماراتية رائعة قدمت وتقدم خدمات جليلة لدولة الإمارات العربية المتحدة من دون أن تنظر إلى ما تأخذه أو ستأخذه في المقابل، وتهدف مبادرة عام الخير إلى تعميم هذه النماذج وتحويلها إلى سلوك وطني عام، خاصة لدى الأجيال الجديدة التي لم تعش زمن العوز والفقر والضنك ولا تعرف حجم التحول الذي لحق بوجه الحياة على أرض الإمارات بفضل قادة أعطوا بلا حدود وبذلوا جهدهم ووقتهم وضحوا براحتهم من أجل إسعاد شعبهم. ومن أهم جوانب فلسفة مبادرة عام الخير، أنها تعمل على تحويل عمل الخير إلى قيمة أخلاقية لدى المواطن الإماراتي تدفعه إلى عمل الخير باعتباره جزءاً من شخصيته وتكوينه القيمي وليست فقط استجابة لأمر ديني أو رغبة في دخول الجنة. وبهذا المعنى، فإن هذه المبادرة تتصل بشكل مباشر بمبادرة التربية الأخلاقية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، لأن أهم القيم الأخلاقية التي تحتاج إليها الأجيال الجديدة، في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي، قيمة العطاء للوطن من دون انتظار المقابل، خاصة في ظل انتشار ثقافة الأنانية وتراجع قيم التكافل الاجتماعي والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع، بفعل تحولات الحياة الحديثة والقيم الوافدة من الخارج في ظل ثورة المعلومات والاتصالات، إضافة إلى تزايد المخاطر واتساع القلق من المستقبل الذي يدفع البشر إلى التقوقع حول الذات والنزوع إلى الفردية والبحث عن المصالح الخاصة حتى لو كانت على حساب المصالح العامة. إن الهدف من مبادرة عام الخير يتجاوز المعنى الضيق للخير الذي ينحصر في «العمل الخيري» الذي يقوم على تقديم المساعدات المالية أو العينية إلى المحتاجين، إلى معنى أكبر وأكثر عمقاً واتساعاً وهو: صناعة الفرق، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في مقاله حول المبادرة تحت عنوان: ماذا نريد من عام الخير؟ فالمقصود هو بناء قيم تحث على الخير وإنسان محب للخير ومستعد للعمل من أجله لأن هذا الخير قد أصبح جزءاً أساسياً من منظومته القيمية والأخلاقية، ومن ثم يمكنه إحداث الفارق الإيجابي في مجتمعه وعالمه. إن مشكلة المنظومة التعليمية والاجتماعية في العالم العربي أنها تعاملت مع مسائل الخير والشر على مدى عقود طويلة من خلال منظور ديني بحت، والجانب الديني جانب مهم لاشك في ذلك، لكن مبادرة عام الخير تريد خلق إنسان يعمل الخير ليس خوفاً من عقاب أو طمعاً في جزاء «الجنة» وإنما لأن الأمر يتعلق بتكوين شخصيته وطبيعة نظرته إلى ذاته وإلى الآخرين وإلى موقعه في الحياة ودوره فيها. لابد من الاعتراف، من دون أي مواربة، بأن ثقافة التطوع ضعيفة جداً في مجتمعاتنا العربية، وأن المسؤولية الاجتماعية ربما لا تعرفها أصلاً جلّ شركات القطاع الخاص في بلادنا، على عكس الدول الغربية التي تمثل المسؤولية الاجتماعية فيها عملاً مؤسسياً في الشركات المختلفة تقوم به من أجل المجتمع وفقاً للقانون ومنظومة القيم السائدة في المجتمع، فالحكومات مهما كانت إمكاناتها لا تستطيع بمفردها أن تنهض بكل أعباء التنمية وإنما تحتاج إلى دعم ومساندة من الأفراد والشركات وجمعيات المجتمع المدني أو الأهلي، والطريق إلى ذلك هو تكريس الإيمان بالعمل التطوعي والمسؤولية المجتمعية، ومن هنا يأتي تفرّد مبادرة عام الخير التي تجعل من تعزيز التطوع والمسؤولية الاجتماعية محورين أساسيين من محاورها الثلاثة. وعلى الرغم من أنه يبدو أن مبادرة عام الخير تركز بشكل أساسي على الداخل الإماراتي، فإنها تمتد إلى الخارج لتعزز منظومة الخير التي تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة على مستوى العالم كله حتى إنها جاءت في المركز الأول عالمياً من حيث منح المساعدات الخارجية قياساً إلى دخلها القومي الإجمالي لعام 2015، وفقاً لتقرير لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وليس أدل على ما سبق من تأكيد صاحب السمو، رئيس الدولة، حفظه الله، بمناسبة إطلاقه لمبادرة عام الخير: كلما أعطينا أكثر زادنا الله من نعمه عطاءً واستقراراً وأمناً وأماناً وراحة وحياة كريمة. إن تعزيز القيم التي تريد مبادرة عام الخير تعزيزها وتعميقها يحتاج أول ما يحتاج إلى تفعيل دور المؤسسات المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية وزرع القيم والمعتقدات والأفكار، وفي مقدمتها بالطبع المدرسة والجامعة والمسجد ووسائل الإعلام، فلا يمكن الحديث عن تكريس قيمة الخير والعمل من أجله في أي مجتمع من دون أن تقوم هذه المؤسسات بدورها الذي يجب أن تقوم به في هذا الشأن.