أثارت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بغداد الأسبوع الماضي تساؤلات وتكهنات عدة حول التحولات في السياسة الخارجية السعودية، وتأثير الزيارة بالطبع على مستقبل العلاقات السعودية العراقية، وانعكاسها على قضايا أمن الخليج ومحاربة الإرهاب، والأهم من كل ذلك تأثير التقارب السعودي العراقي على مثلث العلاقات العراقية الإيرانية السعودية، فهل ستشهد الساحة الخليجية والعربية فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين بعد توترات وتجاذبات وصلت إلى حد القطيعة؟ لقد فرضت التطورات الإقليمية والدولية خلال السنوات القليلة الماضية على السعودية التدخل في مناطق الصراع المحيطة بها، وأدى اتساع نفوذ وطموحات إيران إقليمياً إلى اشتعال الكثير من نقاط التماس حول حدود المملكة؛ سواء في جنوب العراق أو في البحرين أو في اليمن وامتدادها حتى غرب باكستان. كما أن الصراع السياسي بين إيران والسعودية تحول إلى صراع مذهبي له بعد آخر وانعكاسات على الأطراف التي يدعمها كل جانب، وأدى ذلك إلى خليط من المخاوف الأمنية في المنطقة انعكس مؤخراً على تصاعد حالة التوتر الإقليمي مع وجود قدر من المخاوف والريبة الإيرانية السعودية تجاه سياسة حكومة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه المنطقة، وعليه اتجهت المملكة العربية السعودية لإعادة النظر في سياساتها الخارجية وأولويات أمنها القومي. على الساحة العراقية تعاظم الدور الإيراني فأصبحت طهران فاعلًا رئيساً في تفاعلات الساحة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين، وحصدت مكاسب الغياب السعودي عن الساحة العراقية بنفوذ متعاظم وتأثير في القرار العراقي في الوقت الذي استمرت فيه القطيعة السعودية العراقية، إذ شهدت العلاقات السعودية العراقية أزمات حادة منذ سقوط بغداد عام 2003 بدءاً من مجلس الحكم الانتقالي فالحكومة المؤقتة والحكومة الانتقالية وانتهاءً بالحكومة الدائمة برئاسة نوري المالكي، ومن ثم حيدر العبادي، حيث تصدر الشيعة المشهد السياسي وهمش أبناء الطائفة السُّنية ليتشكل واقعا جديدا في عراق ما بعد صدام حسين، واقع مقلق لدول الخليج وصلت معه العلاقات إلى حد القطيعة الدبلوماسية، ولكن بدأت بوادر بعض التحسن في العلاقات في عهد العبادي بعد أن بادر بإرسال برقية تعزية للرياض في وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وقد أعلنت الرياض عن فتح سفارة لها في بغداد في ديسمبر 2015، ليصبح ثامر السبهان أول سفير سعودي لدى العراق بعد ربع قرن من إغلاق السفارة السعودية في العراق إثر غزو القوات العراقية للكويت في عام 1990. ولكن تصريحات السفير السعودي في بغداد حول «الحشد الشعبي» والتدخل الإيراني في الشؤون العراقية إضافة إلى اضطهاد السُّنة أثارت حفيظة الخارجية والحكومة العراقية فيما اعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية لتتفاقم حدة التوتر من جديد بين الرياض وبغداد حول الملفات الإقليمية، وتصاعدت حدة الخطاب الإعلامي والحرب الكلامية في وسائل التواصل الاجتماعي مع ارتفاع حدة الاستقطاب الطائفي. وعودة للسؤال: هل العلاقات السعودية العراقية على عتبة مرحلة جديدة؟ بعيداً عن الإفراط في التفاؤل تعتبر الزيارة خطوة لحلحة حالة الجمود السلبي في العلاقات بين الرياض وبغداد، فلكل طرف أجندته ومصالحة الدافعة للتقارب، ويرى البعض أن للمستجدات الإقليمية والدولية دوراً محورياً في إعادة الطرفين النظر في العلاقات الثنائية، إذ قال المتحدث باسم الخارجية العراقية في ختام الزيارة إن «الزيارة كانت إيجابية جداً، وأعتقد أنها ستعطي زخماً إيجابياً لفتح صفحة علاقات جديدة مع السعودية، وهذا ما نأمله». وتشير التطورات المتسارعة إلى أن المنطقة مقبلة على إعادة ترتيب شاملة، وإعادة رسم لدوائر النفوذ على الأرض، وأن الساحة العراقية والسورية ستكون محورية في رسم تلك الدوائر الجديدة. ومن المتوقع أن تؤدي التفاعلات الإيرانية السعودية على الساحتين العراقية والسورية مع مراعاة الدور الأميركي، إلى إعادة تشكيل المنطقة بصورة كبيرة في الفترة القادمة.