هل يمكن لسيناريو إطاحة «مايكل فلين»، مستشار الأمن القومي الأميركي الذي استقال من منصبه الشهر الماضي، على خلفية اتصالاته بروسيا خلال الحملة الانتخابية لترامب.. أن يتكرر مع وزير العدل الحالي جيف سيشنز؟ وفقاً لمعلومات كشفتها صحيفة «واشنطن بوست»، الأربعاء الماضي، فإن سيشنز التقى السفير الروسي في واشنطن مرتين خلال العام الماضي، خلافاً لتأكيدات الوزير أمام مجلس الشيوخ حين نفى أي اتصالات له من هذا النوع. ومنذ ذلك اليوم، تعالت الأصوات، حتى من داخل المعسكر الجمهوري، مطالبةً باستقالة سيشنز الذي لم يعد في رأيهم جديراً بالثقة بعد أن نكث بقسم اليمن وأقسم على الكذب، ومن ثم يتحتم أن يقدم استقالته من منصبه! و«جيف سيشنز» سياسي أميركي وعضو في الحزب الجمهوري، يشغل منصب وزير العدل (المدعي العام) الأميركي حالياً، وسبق أن كان مدعياً عاماً لولاية ألاباما، وممثلاً للادعاء العام في منطقتها الجنوبية، قبل انتخابه عضواً بمجلس الشيوخ الفيدرالي عام 1996 حيث أعيد انتخابه ثلاث مرات. وخلال سنوات خدمته في الكونغرس، كان يُنظر إلى سيشنز كواحد من أكثر الأعضاء يمينية ومحافظةً في مواقفه. فقد عرف بمعارضته الشديدة للهجرة، وكان قد نادى قبل 11 عاماً بوضع سياج على طول الحدود بين أميركا والمكسيك. وحين أعلن ترامب نيته بناء ذلك الجدار الحدودي، قالت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية إن المرشح الجمهوري حينها «ينادي بالأفكار التي ظل يطرحها سيشنز على مدى سنوات». كما كان أحد مؤيدي الغزو الأميركي للعراق، وداعمي جهود إدارة بوش الابن لخفض الضرائب، وأحد مهندسي التعديل المقترح لحظر زواج مثليي الجنس. وإلى ذلك فقد اشتهر بمعارضته مشروع قانون التحفيز المالي عام 2009، وقانون حماية المرضى والرعاية الطبية بأسعار مخفضة، وظل أحد أعلى الجمهوريين صوتاً في مواجهة خطة الإنقاذ المالي التي صاغها وزير الخزانة السابق هنري بولسون، لإنقاذ النظام المالي الأميركي، بعد أزمة الرهن العقاري عام 2008، وكان الجمهوري الأكثر اعتراضاً داخل لجنة الشؤون القضائية في مجلس الشيوخ على مرشحي الرئيس أوباما الثلاثة لعضوية المحكمة العليا. وبهذا السجل اليميني الحافل بالمواقف والمعارك والمواجهات، كان سيشنز أول داعم من داخل الكونغرس لاختيار رجل الأعمال دونالد ترامب كمرشح عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016. كما كان أحد المرشحين المحتملين لمنصب نائب الرئيس، لكن ترامب اختار في النهاية حاكم إنديانا، مايك بنس، لمرافقته إلى البيت الأبيض. بيد أنه لم يلبث، بعد إعلان فوزه بالمنصب والشروع في تشكيل إدارته، أن رشح سيشنز لمنصب وزير العدل (النائب العام للولايات المتحدة)، بعد 9 أيام فقط على إعلان فوزه بالسباق الرئاسي. وبدوره وافق مجلس الشيوخ على تعيين سيشنز في جلسة تصويت يوم 8 فبراير 2017، بـ52 صوتاً مقابل 47، ليؤدي اليمين الدستورية في اليوم التالي بوصفه وزير العدل رقم 84 للولايات المتحدة. ولد «جيف (جيفرسون) بوروغارد سيشنز الثالث» في مدينة «سيلما» بولاية ألاباما، عام 1946، لأبوين من أصول إنجليزية يخالطها عرق أسكتلندي إيرلندي. وكان والده صاحب محل لبيع المعدات الزراعية. وفي عام 1964 انضم إلى الحركة الكشفية الأميركية، ليرتقي إلى فئة «كشافة النسر». وبعد تخرجه في مدرسة «ويلكوكس كاونتي» الحكومية في مدينة «كامدن» بألاباما، التحق بكلية هنتينجتون للفنون الحرة، التابعة للكنيسة الميثودية في مونتغمري، ليتخرج في عام 1969. ثم انضم إلى كلية القانون بجامعة ألاباما ليتخرج فيها بدرجة الدكتوراه عام 1973. وبعدئذ بدأ تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، وظل بها حتى عام 1980، وهي مرحلة يقول عنها اليوم إنها من أغنى فصول حياته. وبعد انتهاء خدمته العسكرية، بدأ سيشنز مشواره القضائي، فقد رشحته إدارة ريغان ليصبح ممثل الادعاء العام الأميركي في منطقة جنوب ولاية ألاباما في عام 1981، فأقره مجلس الشيوخ. لكن المجلس ذاته رفض في عام 1986 ترشيحاً أصدره ريغان أيضاً بتعيين سيشنز قاضياً فدرالياً، على خلفية اتهامات ضده متعلقة بالعنصرية. فحين بدأ سيشنز عمله كمدعٍ عام بجنوب ألاباما عام 1981، تعين عليه آنذاك تقديم دعوى في موضوع مقتل «مايكل دونالد»، وهو شاب من أصل أفريقي اغتيل في مدينة «موبايل» على يديْ عضوين في جماعة «كو كلوكس كلان»، المؤمنة بتفوق العرق الأبيض. لكنه (سيشنز) توقف فجأة عن متابعة القضية، وإن لم يحل دون إلقاء القبض على المتهمَين وإدانتهما. كما قام، في عام 1985، بمتابعة ثلاثة نشطاء من منظمي المجتمع الأميركي من أصل أفريقي في ولاية ألاباما، وبتقديمهم للمحاكمة، وضمنهم ألبرت تيرنر، المساعد السابق لمارتن لوثر كينغ، زاعماً أنهم تلاعبوا بـ14 صوتاً انتخابياً في اقتراع جرى عام 1984. بيد أن المحكمة أشارت إلى وجود شبهة الاستهداف والانتقائية في اتهامه للرجال السود الثلاثة، لتُبرِّئهم من جميع التهم المنسوبة إليهم. وتم انتخاب سيشنز، في نوفمبر 1994، مدعياً عاماً لولاية ألاباما، وهو المنصب الذي بقيّ فيه حتى أواخر عام 1996، حين تم انتخابه عضواً بمجلس الشيوخ الاتحادي، ليصبح أول سيناتور جمهوري عن ولاية ألاباما منذ عام 1871، حيث أعيد انتخابه في الأعوام 2002,2008 و2014. وخلال هذه السنوات عارض سيشنز الهجرة ودعا للحد منها، وقاد المعركة في مجلس الشيوخ ضد قوانين 2006 و2007 لإصلاح نظام الهجرة الشامل، كما عارض قانون 2013 بشأن أمن الحدود وتحديث نظام الهجرة. وهو يرى أن منح المواطنة للمهاجرين يقوض سيادة الولايات المتحدة، وأن تدفق العمالة الوافدة يخفض أجور العمال الأميركيين ويفاقم البطالة بينهم، وأن سياسة الهجرة الحالية تفرز طبقة جديدة تعتمد في وجودها على دولة الرفاه.. وإلى ذلك فهو أحد المحافظين من قادة الحزب الجمهوري المعارضين للإجهاض، والمؤيدين لخفض الضرائب، ولسياسات حزبه في المجال الاجتماعي.. تماماً كما يؤيدها ترامب. ووفقاً للتحقيق الصحفي المطول الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» على موقعها الإلكتروني، الأربعاء الماضي، فإن وزير العدل الذي كان من أول وأبرز أعضاء مجلس الشيوخ الذين تبنوا ترشيح ترامب للرئاسة، وكان أحد قادة حملته الانتخابية، قد التقى السفير الروسي في واشنطن «سيرغي كيسلياك» مرتين، الأولى خلال مؤتمر الحزب الجمهوري عندما تحدثا في «دردشة» علنية، والثانية والأهم كانت في سبتمبر الماضي في مكتب سيشنز نفسه بمجلس الشيوخ. ورداً على المطالبات والضغوطات التي حرّكها تقرير «واشنطن بوست»، والرامية إلى دفعه للاستقالة، أعلن سيشنز النأي بنفسه عن التحقيقات التي يجريها حالياً الـ«أف بي آي» حول أي تدخل روسي مزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وشدد يوم الجمعة الماضي على أن شهادته السابقة أمام مجلس الشيوخ كانت «صادقة وصحيحة في وقتها». أما الرئيس ترامب فدافع عن وزير عدله، معلناً «الدعم التام» له، قائلاً: إن لديه «الثقة الكاملة» في النائب العام. ونفى علمه بأي اتصالات بين سيشنز والسفير الروسي. لكنها الغيوم الروسية التي خيمت مبكراً على أجواء الإدارة الجديدة برئاسة ترامب، فرسمت الكثير من علامات الاستفهام حول نزاهة الانتخابات، ثم أطاحت بفلين، وها هي توشك على الإطاحة بسيشنز! محمد ولد المنى