لا أعتقد أن أحداً لم يتابع ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حول أهمية التخصص في مجال معين من العلم. لقد كان حديث الساعة محلياً وإقليمياً، وشغل اهتمام الصحافة عالمياً، والحقيقة أنه تحدث بطريقة شفافة، لم نعهدها من مسؤول، خاصة بمثل مسؤولياته.. قال كثيراً عن مستقبلنا تصريحاً، ولمح لمنهجيات العمل أكثر، وكان واضحاً في الحديث عن مكامن الخلل، وطرق العلاج، وتوقيت الحل.. وهذه عناصر كافية للإيمان بما قاله. ولعل أهم ما يجب أن نتحدث عنه، بعدما تحدث كثيرون مختصون وغيرهم، أن الأمر -ولكي يتحول من حلم إلى واقع- يتطلب عملاً حقيقياً، وأن تكون صدور المسؤولين رحبة للنقد، وحتى لو ضاقوا فلم يعد الأمر خيارهم، فأهم ما ستقوم عليه الرؤية الحديثة نقد المشكلات وحرثها، والإشارة للمقصرين بكل أصابع اليدين، ولن يكون هناك مكان للمطبلين أو الملمعين، الذين غشوا سابقاً، وخدعوا المسؤول والمواطن، وقبله الوطن. أكثرنا لم يتخصص ليومنا هذا في مجال واضح ومعين ومحدد بعينه حتى يبدع فيه. وفي الآونة الأخيرة، ومع التدفق الهائل للمعلومات والمعارف أصبحنا بحاجة إلى المتخصصين البارعين، فمن غير المعقول أن يستطيع شخص واحد ولو امتلك كل مقومات المعرفة أن يجمع العلوم كلها، وقد أعجبتني مقولة أحد الأساتذة في الجامعة أثناء سؤالنا له عن التخصص حين قال (تعلم شيئاً من كل علم وتعلم كل شيء في علم واحد) إشارة منه إلى أن الإنسان لا بد أن يتخصص في مجال واحد لكي يتقنه بشكل جيد، ثم يفيد الأمة والمجتمع بتخصصه ولا يضيع نفسه بين زحمة التخصصات المختلفة، لأن ملاحقة كل العلوم باتت أمراً مستحيلاً في الوقت نفسه، لا بد من وجود مؤشرات أداء واضحة، لكل التخصصات (بلا استثناء)، وألا يكون هناك من هو أكبر من المساءلة، مع وجوب إصدار تقارير دورية، توضح ماهية التخصصات التي تحتاج إلى مزيد من المواطنين ودراسة أهم المعوقات وأن تطرح كل الأشياء على طاولة نقاش المواطنين. وحينما نتحدث عن رؤية القيادة الطموحة والمحفزة، فإنه على الرغم من أنها تعتمد على الرؤية الحكومية بشكل كبير، فمن المهم جداً إدراك أن للمواطن والمقيم دوراً كبيراً، بحيث يكونا جزءاً من هذا التحول، عبر أدوار مختلفة، منها تفهم متطلبات وتحديات المرحلة، والعمل كشركاء في البناء من بعد ذلك، من خلال النقد الموضوعي، واقتراح الحلول، وغير هذا كثير. أخيراً.. ولأن العملية الاتصالية عنصر مهم، فإن هذه المتطلبات وبهذه الحيوية، والتي تسابق ذاتها، وتتحدى الزمن، تتطلب إعلاماً حديثاً، يعي أهميتها، ويواكب حداثتها، ويستخدم أساليب تليق بالتغيرات، وينفتح على كل الخيارات والوسائل والمنصات، وأن يكون جزءاً من الحل.. وليس المشكلة!