لتركيا مصالح متعددة وكبيرة مع دول الخليج العربي، وبهذه المناسبة نُذكِّر الرئيس أردوغان أن السلطان «سليمان القانوني» عندما استنجدت به ملكة هولندا لصد هجوم من إسبانيا، أشار عليها أن يرتدي جنودها لباس الجيش التركي لهيبته، وقد كان، حيث لم يتجرأ بعدها الإسبان على مهاجمة هولندا. إننا نناقش هنا بعض السياسات والمواقف الخارجية، ذات التأثير في السياسة العربية التي يتخذها الرئيس رجب طيب أردوغان، ضمن سياسة شعبوية ويتراجع فيها، بعد ذلك حتى تخبو وتصبح مواقف سياسية ضئيلة، منها قضية السفينة مرمرة التركية التي شكلت مبادرة جريئة لكسر الحصار على قطاع غزة عام 2010، حيث تعرضت السفينة لهجوم كوماندوز إسرائيلي، قتل فيها 10 أتراك وتم حلها بموافقة إسرائيل على دفع تعويضات قدرها 20 مليون دولار، وكان أردوغان قد اشترط أنه لن يعيد علاقات تركيا مع إسرائيل ما لم تفك الحصار، وتم تطبيع العلاقات وعودة السفيرين، ومع ذلك لم تلبِّ إسرائيل الشرط وتنازل عنه أردوغان. وفي الشأن السوري، حاولت تركيا في عهد-الرئيس عبدالله غول- الوصول إلى حلول سياسية، تحقق مطالب الشعب، وهناك مبررات لتصريحات أردوغان ضد بقاء الأسد، الذي قتل شعبه. وأردوغان، مارس تحريضاً يومها، فيما استطاع الأسد بمواربته إخراج الثورة السورية من مسارها السلمي إلى الصراع المسلح. تكررت تصريحات الرئيس أردوغان عن رحيل الأسد، كما تكرر الحديث عن قبوله «بأنه يمكن للأسد أن يشكل جزءاً من مرحلة انتقالية». تركيا وقفت مع «الجيش الحر» في معركة «الباب»، كي تقوم بتطهيرها من «داعش»، ويمكن فهمها بالمقارنة مع معركة «عين العرب»، أو «كوباني». ونرجو ألا يكون هذه طُعماً، وضعه الروس والنظام والإيرانيون لإشراك أنقره في تقاسم النفوذ، للانصياع معهم في المسار التفاوضي. أردوغان يريد كسب انتصار لاستغلاله في الاستفتاء لتعزيز صلاحيات الرئيس. والرئيس بوتين يرد الجميل للرئيس أردوغان على مساعدته له، في انتصار الروس في حلب بعد ضغوط أردوغان، على المعارضة لسحب 6000 مقاتل من جبهة القتال. وفي الشأن المصري، الذي يعتبر «عقدة» بالنسبة للرئيس أردوغان، لم يكن اختياره صائباً كرجل دولة أن يضع علاقة دولة كتركيا، مع مصر في الكفة ذاتها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، فتلك قسمة ضيزى. فإذا كان في الأمر مبررات سياسية، فأميركا نفسها قد استشكل عليها الأمر في البداية، وبعدها، جنحت إلى المصالحة مع القاهرة. وعلى المستوى الخليجي، زار الرئيس أردوغان البحرين والسعودية في فبراير 2016، وصرّح بأننا «ننظر إلى علاقاتنا مع السعودية الشقيقة والصديقة من زاوية استراتيجية، ونولي أهمية بالغة لأمنها واستقرارها». صرح المتحدث الرسمي باسم الرئيس أردوغان في 22 فبراير الحالي، أن «على إيران أن تعيد النظر في علاقاتها مع دول المنطقة»، مشدداً على أن تركيا لا تريد التصعيد مع إيران. فيما ردت إيران على تصريح أردوغان: «لا نرغب في استمرار هذا الخطاب بين البلدين، سوف نصبر على تركيا، إلا أن للصبر حدوداً، أيضاً». دول الخليج العربي تأمل في ألا تكون تصريحات أردوغان، كما عهدناها في عدة مواقع تتراجع، على أرض الواقع، لتتماهى مع «رقصة التانجو» خطوة إلى الإمام وخطوتين إلى الخلف. أحمد الحوسني* *سفير سابق