حظيت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للعراق، بعد انقطاع دام أكثر من عقدين، باهتمام كبير في العراق والمنطقة العربية. لقاءات الجبير بالمسؤولين العراقيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، تركت انطباعات إيجابية بأن البلدين ماضيان في فتح صفحة جديدة من العلاقات، لشعورهما بأن الأحداث في المنطقة ستعزز تسويات ومصالحات ستدفع بجميع الأطراف نحو التفاهم ودعم المصالح المشتركة. رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أكد حرص بلاده على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، والتعاون المشترك بينهما في القضايا التي تهم المنطقة، وعلى رأسها محاربة الإرهاب. وزير الخارجية السعودية أكد أن بلاده عازمة على تسمية سفيرها الجديد في بغداد، وهي حريصة على التعاطي مع جميع القوى العراقية ومن مسافة واحدة، وعلى العمل من أجل محاربة الإرهاب، والاستعداد لدعم العراق لإعادة إعمار مناطقه المتضررة من الحرب. كما أكد أن بلاده سوف تعيد فتح المعبر الحدودي في إطار التعاون التجاري، وتسهيل إجراءات الفيزا للعراقيين الراغبين في زيارة المملكة، وتفعيل خطوط الطيران المدني. هل نتفاءل باحتمال عودة العراق إلى محيطه العربي بعد زيارة الجبير لبغداد؟ هنالك تيار متفائل يرى أن الزيارة الحالية هدفها ليس تحسين العلاقات مع العراق وإعادة السفير السعودي لبغداد، فالسعودية تطمح للتقارب مع بغداد بعد أن حققت الحكومة العراقية إنجازات كبيرة في محاربة تنظيم «داعش». المتفائلون يرون أن الزيارة جاءت في وقتها، بعد تسلم الرئيس ترامب السلطة، وهو الذي عبّر عن امتعاضه من التغول الإيراني في المنطقة، وضرورة وضع حد لهذا التغول. أما المتشائمون فيتساءلون ما إذا كان يمكن إقناع قادة العراق بأهمية العودة لتحسين العلاقة مع السعودية والابتعاد عن النفوذ الإيراني، خصوصاً أن هناك أحزاباً طائفية ترى أن مستقبل العراق مع إيران، وأن من مصلحة بغداد تحسين علاقتها وتوسيعها مع طهران. والسؤال هو: هل يمكن احتواء النفوذ الإيراني في العراق أو الحد منه، خصوصاً أن الحزب الحاكم (حزب الدعوة) يطمح للانفراد بالسلطة ويرفض التعاون أو المصالحة مع القوى السياسية الأخرى المختلفة عنه سياسياً..؟! هنالك سياسيون عراقيون يرفضون التقارب مع عرب الخليج. ومن المفارقات الغريبة، وجود ساسة في إيران منقسمين حول التقارب الإيراني الخليجي وحول الموقف من سوريا، حيث كشف النائب الإيراني جواد كريمي قدوسي، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني، عن الصراع الدائر في أروقة السلطة الإيرانية بشأن ما يتردد عن محاولات إدارة روحاني لتخفيف التوتر بين طهران وجيرانها، وأكد أن المشكلة مع السعودية لا يمكن تجاوزها إلا عبر الحوار. العراق اليوم يحتاج إلى التنمية الحقيقية والاستقرار السياسي، بعيداً عن المحاصصة السياسية ومحاولة فرض حكم الأغلبية الشيعية باسم الديمقراطية، للاستمرار في الحكم الطائفي البغيض. قوة العراق الحقيقية تكمن في وحدة شعبه والمحافظة على التعددية الطائفية والقومية فيه.. فأي محاولة للانفراد بالسلطة من جانب حزب أو طائفة، ستؤدي إلى استمرار الحرب الأهلية. نأمل أن تستمر دول الخليج في دعم الشعب العراقي ومساعدته في تخطي مشاكله وإعادة إعمار بلده، دون تدخل أحد أو محاولة للزج بالدين في السياسة. --------------- *أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت