مثل كثير من التقدميين، شعرت بالإحباط من خسارة عضو الكونجرس «كيث إليسون» الانتخابات على منصب رئيس «اللجنة الوطنية الديمقراطية»، لمصلحة وزير العمل السابق «توم بيريز». بيد أنني شعرت بالإحباط وليس الانفعال.. وفيما يلي السبب. لقد كان واضحاً منذ البداية أن «كيث» لن يفوز بسهولة، فالنخبة والنشطاء في الحزب وكبار المانحين من الشركات لم يكونوا ليتنازلوا عن السيطرة على الحزب «الديمقراطي» من دون معركة حامية الوطيس. وأثناء سياق الحملة الانتخابية، تعرض عضو الكونجرس إلى إزعاج شديد، وهجمات خبيثة، إلى درجة أن بعضها تساءلت بطريقة مثيرة للاشمئزاز عن السبب الذي يدعو «الديموقراطيين» إلى انتخاب مسلم أميركي من أصول أفريقية ليصبح رئيساً لحزبهم، في الوقت الذي يحتاج فيه الحزب إلى كسب أصوات «الطبقة العاملة من البيض»! وقد كان من المزعج أيضاً أن بعض العناصر المتشددة في المجتمع اليهودي وصفوا «كيث» بأنه معادٍ لإسرائيل، واستشهدوا بمقالات كبتها عندما كان طالباً شاباً، ووصموه بأنه «متطرف» و«معادٍ للسامية» و«متعصب». واستناداً إلى هذه الهجمات، تساءل البعض حول ما إذا كان «كيث» مع هذه «الضربات التي وُجّهت له»، يمكنه جمع الأموال التي يحتاجها الحزب للفوز بالانتخابات. وعلى رغم هذا القدح، حصل «كيث» على 200 صوت من إجمالي 435 صوتاً في المنافسة. وكثير ممن أدلوا بأصواتهم لصالحه شعروا بالحرج من الهجمات وأرادوا توجيه رسالة تأييد قوية وثقة في قيادة «كيث». وأدركوا أنه يمثل جيلاً جديداً من «الديمقراطيين»، وأنه قائد تقدمي صاحب مبادئ يستطيع توحيد الحزب وتنظيمه على نحو فعال يمكنه من الفوز بالانتخابات. وفي حين أن أولئك الذين ذمّوا «كيث»، يشمتون الآن بشأن هزيمته، فالحقيقة أنهم هم الخاسرون في تلك المنافسة. لأن عضو الكونجرس لم يهبط إلى مستوى مهاجميه، وبزغ كقائد وحدوي، بينما ظهروا هم كمفرقين ومتعصبين. وبتعيين «كيث إيليسون» نائباً لرئيس الحزب «الديمقراطي»، وجه الفائز «توم بيريز» أقصى رسالة نبذ لهؤلاء المتعصبين. ومن بين الأسباب الأخرى التي تدعو إلى عدم الانفعال أنه لم تكن هناك منافسة أيديولوجية بين الفلسفات السياسية، ذلك أن الأفكار التقدمية لم تخسر. وبالإنصات إلى النقاشات بين أولئك الذين ترشحوا لعدد من المناصب القيادية التي تم التنافس عليها في الانتخابات، أضحى من الواضح أن «أجندة بيرني» في السباق الرئاسي لعام 2016 باتت برنامجاً مهيمناً في الحزب. وتفوقت على الأجندة المركزية التي تعود إلى عهد كلينتون. وسيصبح «توم بيريز» الرئيس الجديد للحزب «الديمقراطي» مناصراً للتغيير، وسيتعاون مع «كيث إليسون» للدفاع عن السياسات التي من شأنها مساندة حقوق العمال وحقوق النساء، وحماية البيئة، والدفاع عن رعاية صحية ملائمة للجميع، وتحسين نظام التعليم الحكومي، وجلب العدل إلى نظام العدالة الجنائية، والدفاع عن السياسات التي تحافظ على سلامة وأمن الشعب الأميركي، بينما تحمي حقوقه المدنية والسياسية. وعندما طالب بعض «الديمقراطيين» بأن يصبح منصب «رئيس الحزب» وظيفة بدوام كامل، تعهد «كيث إليسون» بأنه إذا تم انتخابه، فإنه سيستقيل من عضوية الكونجرس. ومن المهم أن «كيث» لن يضطر الآن إلى الوفاء بهذا التعهد، لا سيما أن صوته كقائد للتقدميين ضروري أكثر من أي وقت مضى. ومن كثير من الأوجه، دفعت الحملة الانتخابية في الحزب «كيث» إلى دور قيادي وطني، فهو لم يخسر، وإنما أصبح قائداً في الحزب، وسيصبح الآن صوتاً أقوى في الكونجرس. وأخيراً، ليس هناك ما يدعو إلى الانفعال لأن معركة التغيير في الحزب «الديمقراطي» وسياساته قد بدأت بالفعل. ومثلما لاحظت، لم تكن هذه المنافسة بشأن الاختلافات حول السياسات، وإنما كانت مواصلة للحملة الثورية التي قادها «بيرني ساندرز»، وقد ركزت على إصلاح السياسة وجعل الحزب «الديمقراطي» أكثر استجابة لمطالب أنصاره، وأقل انتباهاً لطبقة المانحين. ومثلما أظهر «بيرني ساندرز» في 2016 بجمع أكثر من 200 مليون دولار من صغار المانحين، من الممكن لـ «الديمقراطيين» المنافسة من خلال الاعتماد على الأفكار التي تستند إلى المبادئ والقيادة الموثوقة، وتنظيم الحشود من عامة الشعب. وتواصل هذه الحركة تعزيز نفسها يومياً، مثلما أظهرت الجموع الحاشدة التي احتشدت في المطارات للترحيب باللاجئين والمهاجرين تحدياً للأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب، رافضة الإسلاموفوبيا والتسامح مع معاداة السامية في الإدارة الجديدة. ------------------ * رئيس المركز العربي الأميركي- واشنطن