اعتادت كشمير أن تغلي وتضطرب، ومجرّد حادث بسيط يمكن أن يكون كافياً لإشعال دورة كاملة من أعمال العنف. وفي عام 2016، اندلعت موجة من الاضطرابات في أعقاب الإعلان عن وفاة «برهان واني» قائد مليشيا «حزب المجاهدين» الكشميري الذي قتل على أيدي قوات الأمن الهندية. وشارك أكثر من 100 ألف كشميري في جنازته تحت أنظار قوات الأمن الهندية التي كانت تتلقى رشقات الحجارة من المتظاهرين في أماكن متفرقة من كشمير. وكانت حصيلة جولات العنف خلال الأيام التالية أكثر من 100 قتيل من المتظاهرين بالإضافة لنحو 14 ألف جريح من بينهم ثلاثة آلاف من رجال الأمن. وخلال الأسبوع الماضي، صدر عن قائد الجيش الهندي تحذير صارم من أن المدنيين الكشميريين الذين لا يقدمون المساعدة لرجال الأمن أثناء تنفيذ عملياتهم ضد الانفصاليين سوف يعاملون على أنهم «ناشطون إرهابيون» وسوف يعرضون أنفسهم لأشد العقوبات. وبعد أن أدان سلوك المتظاهرين المدنيين بسبب تصديهم للعمليات التي كانت تنفذها قوات الأمن ضد المتمردين الكشميريين، أعلن عن أن «رداً قاسياً» سيتخذ ضد المتظاهرين. وفي الوقت الذي لم يشهد إنذار قائد الجيش تنفيذاً حقيقياً على الأرض، إلا أنه من المؤكد أنه أثار المزيد من سخط الشبان الكشميريين الذين يعانون من الحرمان ويحملون المشاعر المعادية لقوات الجيش الهندي. وكان لهذا التهديد الصادر عن قائد الجيش، والرامي إلى «عمل صارم» ضد المتظاهرين أن يزيد القلق العام في الشارع الكشميري المضطرب، لأن هذا العمل يعني بلغة العسكر إطلاق النار بنيّة القتل. ولا يمكن لجيش يحترم نفسه أن يحول بنادقه ورشاشاته نحو صدور متظاهرين عُزّل حتى لو كانوا يرشقون أفراده بالحجارة، ومن المعروف أن وظيفة الجيش هي اعتقال المتمردين وترك المتظاهرين المدنيين لتتعامل معهم قوات الشرطة، وهذا هو السبب الذي جعل كشمير تشهد بعد التهديد مباشرة مظاهرات عامة وبما يعد تأكيداً على أن الخطاب القاسي للجيش كان بمثابة صبَ الزيت على النار. وبالنسبة للكشميريين العاديين، فإن بيان قائد الجيش بّرّر لهم غضبهم ليس على الوجود القوي للجيش الهندي فحسب، بل وأيضاً من قانون نشر القوات الخاصة الذي يتم تنفيذه في كشمير. وبالنسبة للهند، يكون من الواضح وجود صعوبة في البحث عن طريقة مناسبة للتعامل مع الشباب الكشميري الذي تحول إلى شعب لا يتوقف عن رشق الحجارة رداً على كل عملية ينفذها الجيش الهندي ضد المتمردين أو رداً على مقتل أي متظاهر أو ناشط مدني في أثناء تبادل إطلاق النار بين الجيش والمتمردين. وذلك لأن معظم المتمردين الذين يتم قتلهم هم كشميريون ويكون من الطبيعي أن يعم الغضب كل أقربائهم عندما يقتلون، ولهذا السبب فإنهم يلجؤون إلى رشق قوات الأمن بالحجارة. ولا شك أن مساواة قائد الجيش بين المتظاهرين المدنيين وأعضاء المليشيا المتمردة ليس مؤشراً جيداً، لأن هذه التظاهرات يمكن أن يتم التعبير عنها بطريقة مختلفة، وبالتأكيد لن يقتصر الأمر في هذه الحالة على الرشق بالحجارة، وهناك احتمال أن يتسبب حادث ما بقتل عدد كبير من المتظاهرين وبما قد يدفع بالأمور إلى حالة خارجة عن السيطرة. وفي الوقت الراهن، لا بد أن يكون الجيش في حالة إحباط بسبب تزايد أعداد قتلاه في كشمير، وهناك ارتباك واضح في مختلف الوكالات الحكومية المعنية بالبحث عن طريقة مناسبة لمواجهة الموقف. ويبدو أن الاختلاف حول هذه النقطة قد انتقل إلى الحكومة الائتلافية التي تحكم الجزء الهندي من كشمير. وفي الوقت الذي اختار فيه حزب بهاراتيا جاناتا الشريك في حكومة ولاية كشمير، الإجراءات الصارمة لمواجهة الأوضاع هناك، يتمسك شريكه «حزب الشعب الديمقراطي الكشميري» بالخط المرن، وهو يأمل بهذه الطريقة استمالة قلوب وعقول الشباب الكشميريين بدلاً من اتباع سياسة العصا الغليظة. وهناك أيضاً إجماع ضعيف على مستوى الأحزاب الوطنية حول الطريقة المناسبة لمعالجة مشكلة كشمير وإنهاء حالة العزلة التي يعاني منها الكشميريون. وعمد «حزب المؤتمر» إلى توجيه اللوم لحزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم بسبب الوضع الأمني المخيف الذي وصلت إليه الأحوال في كشمير. وقال أحد أبرز قياديي الحزب والوزير السابق «السيد تشيدابرام» أن كشمير تكاد تكون الولاية الضائعة بالنسبة للهند لأن الحكومة تستخدم الأساليب الوحشية لقمع المتظاهرين هناك. ويبدو من الواضح أن هذه الإدانة لا تساعد أحداً، وحتى حزب «المؤتمر» سبق له أن فشل في إيجاد أي حل لقضية كشمير بسبب امتناعه عن إجراء مباحثات مع باكستان حول الموضوع. والحقيقة أن حل قضية كشمير لا يمكن تحقيقه من دون التفاوض مع باكستان. ولقد واصلت الهند اتهام باكستان بدعم التمرد في كشمير، وأكدت على أن إنهاء الإرهاب الآتي من باكستان يجب أن يكون المحور الأساسي لأي محادثات مقبلة بين البلدين، وفي المقابل أعلنت باكستان بأنها لن توافق على إجراء محادثات مع الهند ما لم تكن قضية كشمير هي القضية المركزية للحوار، ولهذا السبب يمكن القول إن العلاقات بين البلدين بلغت أسوأ حالاتها. *مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي