في الوقت، الذي يتحدى فيه الرئيس ترامب قواعد مستقرة في واشنطن، نرى نوعاً مختلفاً من التصدع يقع على الساحل الغربي للولايات المتحدة، ناتجاً عن قيام شركة «سناب» وهي الشركة الأم لتطبيق الرسائل الاجتماعية ذائع الصيت «سناب شات»، بالاستعداد لبيع خمس كيانها للجمهور، كما يبدو مؤسسها «إيفان شبيجل» كما لو كان يسعى لتحويل القواعد العادية للرأسمالية رأساً على عقب. وشبيجل، الوسيم، والمتأهب دائماً، والذي يجلس عند نقطة تقاطع الفن، والتقنية، والتجارة، يستدعي المقارنة مع الراحل ستيف جوبز. ولكن من الواضح أنه مصمم على تجنب التقلبات العنيفة التي مر بها جوبز. فهو لن يسمح لأحد أبداً بإخراجه من شركته، كما حدث مع جوبز، عندما أُخرج من شركته «آبل» التي أسسها وازدهرت على يديه. كما لن يسمح لأحد أيضاً بإجباره على أن يترك بشكل مؤلم في البرية كي يزداد نضجاً قبل أن يعود، في مرة ثانية مظفرة، لإنقاذ الشركة التي أسسها في شبابه. وبالنسبة لشبيجل، وعلى النقيض من جوبز، يكمن السبيل في تجنب هذا المصير، في إجراء نوع من شبه الاكتتاب العام، لا يحصل فيه مشترو أسهم شركته على أصوات في اجتماعات المساهمين، ولا تكون لديهم وسيلة يؤثرون بها على تحديد من يكون المدير التنفيذي للشركة. ومنذ ما يقرب من 30 عاماً، احتدم النقاش حول الموضوع المتعلق بمن يجب أن تكون له الكلمة الأولى في الشركات العامة. وكانت وجهة النظر الأميركية في هذا النقاش هي أن حملة الأسهم يجب أن يحاسبوا كبار المديرين في تلك الشركات، وإذا ما أخفقوا في القيام بهذا الواجب، فإن السعر المنخفض للأسهم، هو الذي سيغري الشركات المغيرة على الاستيلاء على الشركة، وتأديب المديرين التنفيذيين. أما وجهة النظر اليابانية فكانت على النقيض من ذلك حيث حرصت على جعل الكلمة الأولى فيما يتعلق بإدارة ومصير الشركات في يد المديرين التنفيذيين، وخصوصاً أن الشركات اليابانية، كانت تحصل على تمويلها من بنكوك ذات وضع مالي مريح، أكثر مما تحصل عليه من قبل حملة أسهم راغبين في الاستثمار فيها. وساهمت شبكة حملة الأسهم المعقدة في حماية هذه المؤسسات، والحيلولة دون وقوعها فريسة للاستحواذ من قبل الشركات المنافسة. وعندما دخل الاقتصاد الياباني في فترة من الركود الانكماشي، بدا الأمر وكأن هذا النقاش قد حُسم، وأن الرأسمالية المقودة من قبل حملة الأسهم، بمشهدها الحافل من الاستحواذات المتنافس عليها، والاكتتابات العامة الأولية للجمهور، قادرة على تكوين شركات كبرى تستطيع المنافسة عالمياً، وتحقيق نمو اقتصادي سريع. ولكن ثمة أشياء طريفة حدثت في الآونة الأخيرة: ففي داخل الولايات المتحدة، أصبح ذلك الجزء من الاقتصاد الأميركي الذي يتميز بأنه الأكثر ديناميكية والأكثر ابتكاراً، يابانياً بالدرجة الأولى. فنحن نجد، على سبيل المثال، أن النظام البيئي لولاية كبيرة مثل كاليفورنيا قد بات خاضعاً للسيطرة من قبل شركات تضم حملة أسهم ضعفاء أو سلبيين، وأنه لا يوجد هناك غزاة مؤسساتيون، أما مديرو الشركات الكبرى فهم يتصرفون كالملوك! وشركة «سناب» تمثل تعبيراً متطرفاً عن هذا التوجه، ولكنها أيضاً ليست الوحيدة في ذلك. فنحن نجد، على سبيل المثال، أن تعويم أسهم شركة جوجل في عام 2004، قد وفر للمستثمرين فرصة الحصول على أسهم لا يتمتع أصحابها بحقوق تصويت. كما نجد أنه منذ عام 2012 فعلت، خُمس شركات التقنية الأميركية، التي قررت طرح أسهمها للاكتتاب العام، نفس الشيء مع عرض هيكلية لحقوق التصويت تحتوي على فئتين. وفي الوقت ذاته، قامت شركات التقنية «السوبر ستار»، بتأجيل مسألة التعامل مع حملة الأسهم. وحتى عام 2010 حصلت حفنة من الشركات فقط على تقدير يتجاوز 1 مليار دولار، مما جعلها غير مضطرة لطرح أسهمها للاكتتاب العام. وفي الوقت الراهن نجد أن ما يزيد عن 200 شركة قد تجاوزت هذا الرقم. ولكن «سناب» ما زالت، مع ذلك، شركة قادرة على احتلال موقع الريادة في مجالها. فمن خلال إصدارها لأسهم، لا يتمتع حائزوها بأي حقوق للتصويت تقدم الشركة نموذجاً جديداً لـ«ملكية» دون رقابة، وبالتالي دون سيطرة. هل يمكن أن يكون هذا التحول (الياباني النمط) في تمكين المديرين شيئاً جيداً؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب ألا ننسى أن إدارة شركة عامة تشتمل على تكاليف تنظيمية، وأن هذا في حد ذاته يعد سبباً من ضمن الأسباب التي تدعو لبقاء الشركة في القطاع الخاص لأطول فترة ممكنة. يدأب المديرون التنفيذيون على الشكوى من أن حاملي الأسهم العموميين غالباً ما يميلون للاحتفاظ بأسهمهم لفترة قصيرة. وفي هذا السياق أظهر «شاي بيرنشتاين» من جامعة ستانفورد أن شركات التقنية المسجلة حديثاً، غالباً ما تكون أقل قدرة على الابتكار مقارنة بالشركات التي ظلت محافظة على وضعها الخاص. ومن الواضح أن حاملي الأسهم العمومية، يفضلون العوائد في صورة نقود تدخل جيوبهم -على الإنفاق التكهني على مجال البحوث والتطوير، الذي يبدو احتمال إدراره للعوائد والثمار احتمالًا يصعب على الغرباء تقديره والحكم عليه. والتغيرات الحاصلة في دورة العرض والطلب على رأس المال تعزز المنطق الذي يقوم عليه النموذج الياباني. ففي جانب العرض، نجد أن السكان الذين يزدادون شيخوخة، وتزايد عدم المساواة، قد عززا الاتجاه للادخار، وفي جانب الطلب، نجد أن الأمر لا يتطلب قدراً كبيراً من رأس المال لتأسيس شركة ناشئة في اقتصاد جديد، مما يعني أن الحاجة لرأس المال قد تقلصت. والموارد الشحيحة اليوم لا تتمثل في رأس المال، كما كان الحال في معظم الأحيان، وإنما في رأس المال البشري، وهو ما يجعل من الطبيعي أن تتحول السيطرة على الشركات الجديدة، من مزودي رأس المال إلى المواهب الموجودة داخل تلك الشركات. وفي الوقت ذاته، نجد أن التحولات داخل القطاع المالي، تدفع أيضاً في الاتجاه نفسه. فهناك عدد متزايد على الدوام، من أسهم الشركات، بات مجمداً في صورة صناديق استثمار سلبية، لا تحاول حتى أن تتصرف كملاك حقيقيين: فهي لا تستعين بمحللين لتقييم استراتيجية الشركة، ولذلك لا يجد المديرون التنفيذيون الذين يريدون التدليل على وجاهة الأسباب التي تدفعهم لاستثمار بعيد النظر، أحداً يمكنهم أن يناقشوا معه هذا الأمر. وفي مثل هذه الظروف نجد أن الملكية الخاصة المركزة سواء في أيدي مؤسسي الشركة، أو المجموعات التي توفر رأس مال المشروع، أو صناديق الأوراق المالية الخاصة، قد باتت قادرة على تقديم أداء مؤسساتي متميز. ومع ذلك نجد في كثير من الأحيان أن الاتجاهات المعقولة يمكن أن تتعرض للمبالغة والإفراط. وفي رأيي أن تعويم «سناب» القادم، يعد عملاً جذرياً وعلى درجة كبيرة من الصعوبة. ويجب هنا أن نأخذ في اعتبارنا أن مؤسسي شركات أخرى، كانوا يطالبون بحقوق تصويت متميزة، قد قرروا على الأقل التنازل عن بعض صلاحياتهم لحملة الأسهم العموميين، وليس هذا فحسب، بل إن معظمهم قد قبلوا أن تنتهي سيطرتهم على شركاتهم، إذا ما قرروا ترك العمل، أو بيع جزء كبير من أسهم تلك الشركات. ولكننا نرى أن شبيجل، وشريكه في تأسيس الشركة «بوبي مورفي» قد أعلنا عن حقهما في استبقاء سيطرتهما على الشركة، حتى لو استقالا منها، بل حتى إذا ما صفيا جزءاً كبيراً من أسهمهما، وأن سيطرتهما ستنتهي عندما يموت كل منهما، أو يبيع 70 في المئة أو أكثر من حصته في الملكية، وهو ما يعني من الناحية الافتراضية، أن شبيجل الثمانيني، من حيث العمر، يمكن أن يتقاعد في دير من أديرة «التيبت»، وتظل كلمته هي المسموعة في الشركة مع ذلك. ومن هنا نرى أن الاحتفاء برواد الأعمال الملهمين أمر صائب، وأن شبيجل قد تمكن من بناء شبكة علاقات اجتماعية قوية وحيوية. ولكن الضوابط والتنازلات تظل، على رغم ذلك، شيئاً ذا أهمية سواء في كاليفورنيا أو في واشنطن. سباستيان مالابي: زميل رئيسي بكرسي بول آيه فولكر للاقتصاد الدولي في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»