نخطئ إذا ما تصورنا أن حرب أكتوبر1973 قد انتهت آثارها في الفكر العسكري الإسرائيلي والعربي والعالمي، أو أنها قد أصبحت جزءاً من ماضٍ قديم مهمل في زوايا النسيان. أعتقد أن هذه الحرب ستبقى موضوعاً حياً للدراسة واستخلاص الدروس المستفادة على الجانبين، رغم مرور أربعة وأربعين عاماً على وقوعها، وأنها ستظل موضوعاً يتجدد ويجذب اهتمام الخبراء العسكريين والمؤرخين في إسرائيل والعالم العربي والدوائر العالمية المعنية للسنوات العشر المقبلة على الأقل. ذلك أن الجانب الإسرائيلي ما زال يفرج كل فترة عن بعض الوثائق السرية المتعلقة بهذه الحرب، وبالتالي يجدد معلوماتنا عنها وما زال يحجب عدداً غير معروف منها لأسباب تتعلق باعتبارات الأمن الوطني، وهو ما أفصح عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما قال إنه سيحجب بعض الوثائق لمدة خمسين عاماً. هذا في حين أن الجانب العربي لم يكشف بعد عن الوثائق الرسمية أيضاً لاعتبارات الأمن القومي، وهو ما يوحي بأن الأمور المخفية على الجانبين ذات أهمية كبيرة. لقد وضعت شخصياً موضوع الوثائق الإسرائيلية في بؤرة اهتمامي منذ أربع سنوات وأطلقت مشروعاً لترجمتها بالمركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية، كي أتيحها للخبراء العرب. جاء ذلك عندما نشر أرشيف الجيش الإسرائيلي في الذكرى الأربعين للحرب بعض الشهادات التي أدلى بها عدد من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين بمعلوماتهم واعترافاتهم أمام لجنة أجرانات التي تم تشكيلها بعد الحرب للتحقيق فيما أسماه الإسرائيليون بالتقصير. لقد لاحظت أن السؤال الرئيسي الذي توجهه لجنة أجرانات لكبار المسؤولين بانتظام يتعلق بأمرين، الأول معلومات وتقديرات المخابرات التي توفرت للمسؤول منذ يوم 13 سبتمبر 1973 عن استعدادات العرب لشن الهجوم، والثاني يتعلق بخطط الاستعداد العسكري بالجيش الإسرائيلي للمعركة. أما الجنرال شارون فإن اللجنة وجهت له سؤالاً رئيسياً مختلفاً يتعلق بمعلوماته عما جرى في ميدان القتال بجبهة سيناء يومي 7 و8 أكتوبر 1973. لقد شغل شارون قبل الحرب منصب قائد الجبهة الجنوبية، أي جبهة سيناء، حتى شهر يوليو 1973، أي إلى ما قبل وقوع الحرب بثلاثة أشهر، ثم أحيل إلى التقاعد، وجرى استدعاؤه لخدمة الاحتياط يوم 6 أكتوبر ليقود الفرقة المدرعة رقم 143. لقد جاءت إجابة شارون المسهبة عن السؤال لتكشف أموراً مهمة: 1- إن قائد الجبهة الجنرال شموئيل جونين كان متقوقعاً مع ضباط القيادة التابعين له في غرفة العمليات في منطقة أم خشيب بعيداً عن خط قناة السويس حيث تجري المعارك، وبالتالي عندما وجه شارون إلى جونين سؤالاً عن المعلومات المتوفرة حول مجريات القتال، تلقى إجابة تعني أن المعلومات ناقصة وأن القيادة لا تعرف بالضبط ماذا يدور على خط القناة وفي حصون خط بارليف. 2- إن شارون عندما تقدم بفرقته وحقق اتصالاً لاسلكياً مع قادة حصون خط بارليف، اكتشف أن وضع القوات الإسرائيلية شديد الصعوبة وأن الهجوم المصري كاسح وجارف. 3- يؤكد شارون أنه كانت هناك حالة من الفوضى وعدم تنفيذٍ لأوامر قائد الجبهة لدى قادة الفرق التي وصلت إلى سيناء. 4- يتأسف شارون ويعترف، في عبارات واضحة، أمام اللجنة، بأن الجيش الإسرائيلي الذي لم يقهره العرب من قبل، عانى للمرة الأولى في تاريخه من هزيمة قاسية ومريرة على أيديهم في ذلك اليوم.