عن الإجرام الذي نشهده مؤخراً في سيناء، ما أشبه الليلة بالبارحة حين وقعت جريمة استهداف الملهى الليلي في إسطنبول ليلة رأس السنة، وقبلها جريمة الكنيسة البطرسية في القاهرة، وقبلها، وعلى الأرجح بعدها، جرائم كثيرة أخرى! هذه الجرائم التي لم تتوقف عن اقترافها يد الإرهاب، تعيد التذكير بجرائم سابقة ضد أرواح وكنائس وممتلكات مكون عريق وفاعل من شركائنا في المواطنة والعروبة. لماذا باسم الله وعلى بركة الله وباسم الدين، يتم نشر العنف وإسالة الدماء وتقطيع القلوب وخلع الألسنة..؟ لماذا باسم الله والدين يتم القتل والنحر والذبح وجز الرقاب وقطعها والتهام الأكباد وتقديم القرابين على مذابح الكفر والضلال..؟ لماذا بهذين الاسمين يتم التهجير من البيوت والأراضي والأعمال، والحرمان من الماء والغذاء والدواء..؟ وباسم مَن يُعدَم حتّى الأطفالُ الرُضَّع.. ويحلَّلُ دم الآخر..؟! أيّاً كان هذا الآخر. وبأي سبب يبيحون القتل على «الهوية» أو «الديانة» أو «المذهب»..؟! وباسم أي شريعة يتم تحريم التنوع والاختلاف..؟ وأي مسلم هذا الذي يكره ويمقت الجمال ويشوه الخلق، ويقوم بمنع كل تطور وتقدم وخلقٍ وإبداع..؟ وبمن وبماذا يبشر هؤلاء «المتأسلمون»..؟! هذا «الدين» الذي تبشّروننا به لا نعرفه، فأنتم من اختلقتموه وادعيتم التعبد في كنفه لغايات وسياسات تعلمونها أو من حيث لا تعلمون..! أنتم ذاتكم تعبدون أصناماً اخترعتموها وسميتموها. المسيحية ديانة سماوية مسيحها «رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم»، وهو «.. وَجِيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ». وعذراؤها «مريم» مطهرة ومصطفاة على نساء العالمين. والإنجيل كتاب «حق» و«هدى للناس» و«نور». والمسيحيون «.. أقربهم مودة للذين آمنوا..». لماذا إذن «يصلب» المسيحيون كل يوم على أيدي من لا دين لهم؟! وباسم أحكام مصطنعة وعدالة ظالمة..؟! لماذا يراد إفراغ شرقنا من مسيحييه..؟ هل هو تقاطع السياسات والمصالح..؟! وماذا عن «صمت القبور» عند دول تشجّع وتدعم كلّ المجازر والمذابح والتهجير بحقّ المسيحيين وغير المسيحيين في سوريا ومصر والعراق والعديدِ من الدول الأخرى..؟، وتفتح في الوقت ذاته أبواب بلدانها لاستقبالهم؟ لمن الشكوى ولا زالت تستصرخنا دماء الكثير من المسيحيين والمسلمين على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم؟ الإرهاب خطر يتصف بالعمى والشمول، يهدد ويضرب في جميع الدول وعلى امتداد رقعة العالم، خاصة في الدول التي تقع في عين العاصفة وبؤر الإرهاب ومعاقله. وللمفارقة فإن العدد الأكبر من ضحايا وحصاد آلة الإرهاب «المتأسلم»، بشقيه السني والشيعي، هم من أبناء المسلمين..! إخواني المسيحيين، يبدو أن الإرهاب -الذي لا دين له والذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي– لا يريد أن يترك فرصةً لأحد كي يعيش أو يصلي أو يحتفل..! هم أولئك الإرهابيون الذين يحاولون يائسين قضم وامتصاص تاريخكم المسيحي الناصع عبر محاولة تدميرهم لجغرافيتكم..! ويحاولون بكل ما أوتوا من نوازع وميول إجرامية، القضاء على كل ما يدل ويشهد على أنكم «سكّر» الشعوب و«ملح» الأرض المشرقية، أبناؤها الأصلاء الأصليون، المولودون من رحمها، وأصحابها منذ فجر التاريخ..! شركاؤنا (بل نحن شركاؤهم) الأساسيون والحقيقيون في البناء على أرضنا الطيبة والدفاع عنها، وفي إرساء قواعد الحضارة العريقة فيها. لقد شكلتم أيها المسيحيون نسيجها لمئات من السنين خلت، ورسمتم بألوانكم الزاهية لوحتها الرائعة، وزينتم بثقافاتكم المتنوعة وحضارتكم ومساهماتكم الفكرية سيرتها العطرة، وعمرتموها بسواعدكم الفتية وقلوبكم النقية، ومجرد وجودكم الآن فيها بحد ذاته مقاومة وأية مقاومة..! «المتأسلمون» - وهم في طغيانهم يعمهون - يحرمون أنفسهم بوعي أو من دون وعي- من الإحساس بالفخر الذي يعنيه أن يكون المرء متحدراً من أرض الرسالات والأنبياء الثرية بتراثها وتنوع عقائدها، بل يقتلون على أساس هذه الفكرة الإيجابية بطبيعتها، ربما لأنهم في الأساس لا يشعرون بالانتماء إلى هذه الأرض، كون غالبيتهم في الأصل «دخلاء» أو «مرتزقة»..! إنهم الوجه الآخر لشرذمة من الحاخامات الذين قاموا بتحريم وجود «أشجار الميلاد» في المؤسسات الرسمية والفنادق في الدولة الصهيونية، بعد أن اعتبروها رمزاً وثنياً ومعادياً لليهود وطالبوا بوضع الشمعدانات عوضاً عنها! المطلوب دوماً هو نشر ثقافة العلم والمحبة والسلام والتسامح، والابتعاد عن التطرف الديني الذي ينطلق من مبدأ إلغاء الآخر، وبالتالي رص الصفوف وتوحيد الجهود، فالدين لله والوطن للجميع. وبصراحة تامة، لا نريد ممن يوظفون أنفسهم للقتل «باسمه تعالى» ويتخذون من الدين مطية لهم وذريعة لتنفيذ مخططاتهم السياسية أن تصبح تحيتهم لجيرانهم «الموت لكم» بدل «السلام عليكم..!» لابد لليل أن ينجلي ولابد للإرهاب أن يندثر، وغداً ستسمع تراتيل الميلاد في القدس والناصرة والشام ومعلولا والكرك والقاهرة وسيناء وميونخ وباريس والموصل ونجع حمادي وتونس وفي كل بقاع الأرض، تبشر بولادة طفل المغارة يسوع، وتنشد لابتسامات الفقراء والأطفال والمضطهدين. وختاماً، لماذا يكون تطرّفهم جنون موت للموت..؟! هل لأنهم مسكونون بالموت..؟! لماذا لا يكون تطرفنا جنون حياة للحياة..؟! أو لسنا مسكونين بالحياة..؟!