شهد مسرح «دولبي» في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية، يوم السادس والعشرين من شهر فبراير المنصرم، الدورة السنوية رقم 89 لمهرجان توزيع جوائز «الأوسكار» السينمائي الشهير، على خلفية توقعات كانت شبه مؤكدة على ناطق واسع، ومفادها أن هذا الحدث الكبير سوف يتحول إلى منتدى سياسي مضاد للرئيس الأميركي الفائز بانتخابات الرئاسة في نوفمبر الماضي، دونالد ترامب، ولكن وبغض النظر عن تعليق أو تعليقين صادرين عن المضيف جيمي كيميل، فإن وقائع الاحتفال كانت عادية وتكاد تخلو من الإشارات ذات الطابع السياسي المباشر. وكان مما يدعو للسخرية أن يكون الحظ إلى جانب فيلم إيراني أثار الكثير من الجدل والتعليق في تلك الأمسية الاحتفائية الباهرة، والفيلم المذكور بعنوان «البائع»، وقد فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، وهو من إخراج وسيناريو «أصغار فرهادي» الذي لم يستطع حضور حفل توزيع الجوائز، إلا أن سيدة أعمال إيرانية تحمل الجنسية الأميركية، وتدعى «أنوشه أنصاري»، وقد سبق لها أن كانت رائدة فضاء في عام 2006، هي التي قرأت تعليق المخرج «فرهادي». وبعد أن شكر الأكاديمية على منحه الجائزة (وهي ثاني جائزة أوسكار يفوز بها)، شن المخرج هجوماً قاسياً على محاولات دونالد ترامب منع مواطني سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة خلال فترة محددة، وجاء في كلمته المقروءة نيابة عنه: «أنا متأسف جداً لأنني لا أشارككم الحفل في هذه الليلة الجميلة. ويأتي غيابي هذا في إطار احترامي لبلدي وتضامني مع مواطني الدول الست الأخرى الذين تعرضوا لعدم الاحترام بسبب القانون غير الإنساني الذي يمنع المهاجرين من دخول الولايات المتحدة». وجاء في انتقادات أميركية مضادة أن قمة النفاق هي أن يأتينا إيراني لينتقد السلوك غير الإنساني للولايات المتحدة بعد كل ما فعله الحكام الملالي بشعبهم الإيراني من تعسف وإذلال، وقد جاء البيان الذي قرأته «أنصاري» متطابقاً مع مشاعر أربعة مخرجين سينمائيين آخرين، من الدنمارك والسويد وألمانيا وأستراليا، قدَّموا هم كذلك أفلاماً من نفس نوعية فيلم «البائع»، لا سيما من حيث طبيعة القضايا التي تعالجها، وأصدر هؤلاء المخرجون الخمسة بياناً قبل توزيع الجوائز قالوا فيه: «إننا نعبر عن رفضنا المطلق لحالة التعصب والنزعة القومية التي نشهدها في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى، والتي يشجعها قسم من السكان وكثير من السياسيين الكبار لسوء الحظ». وعلى أن هذا الحظر الذي فرضه ترامب على الدول السبع لا يكلفها شيئاً ولا يضرها في شيء تقريباً، فقد كانت إيران تستأثر بعدد كبير من مواطنيها الحاملين للجنسية الأميركية أو الذين يحملون تأشيرة الإقامة الدائمة التي تسمح لهم بالسفر إلى الولايات المتحدة. وللألوف منهم عائلات وأقرباء في الولايات المتحدة وخاصة في ولاية كاليفورنيا (حيث جرى حفل الأوسكار)، كما أن عدداً كبيراً منهم مسجلون للدراسة في جامعات الولايات المتحدة. أما التداعيات السلبية لسياسات ترامب المقترحة ضد الدول الإسلامية السبع المعنية بحظر السفر، فقد تم تضخيمها، وخاصة فيما يتعلق بنتائجها الأمنية، كما أنه من المثير للتساؤل ما إذا كانت تلك الأوامر التنفيذية ستحظى بموافقة المحاكم الأميركية المختصة أم لا. وكان الحدث الغريب الثاني المسجل أثناء احتفالات الأوسكار هو ذلك الذي شهدناه في آخر برنامج توزيع الجوائز، وهو الذي جعل الدورة التاسعة والثمانين للأوسكار دورة لا تنسى أبداً، فقد تم الإعلان عن أن أفضل فيلم هو «لا لا لاند»، ولهذا السبب، تم استدعاء المشاركين فيه إلى المسرح حتى يلقوا كلماتهم التي تؤكد قبولهم للجائزة، وحدثت المفاجأة عند فتح المظاريف التي دلت على أن الفيلم الفائز هو «ضوء القمر»، وليس الفيلم الذي تم الإعلان عنه سابقاً، وهكذا تسابق المشاركون في فيلم «ضوء القمر» إلى المنصة وسط ذهول المتابعين وفرحة مشجعيهم. ومن الضروري الإشارة إلى أن المرتكب الحقيقي لهذا الخطأ هو أحد أعضاء شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز»، المتخصصة بتقييم الخدمات الاحترافية ذات المستوى الرفيع، وهي التي تشرف على تنظيم التصويت لمنح جوائز الأوسكار منذ 83 عاماً. وتمكن منظمو الحفل من تدارك الأمور وإنهاء حالة الفوضى التي أعقبت الكشف عن الخطأ باتباع الأساليب اللبقة التي يتم اللجوء إليها عادة في مثل هذه الحالات، إلا أنه ما من أحد على الإطلاق كان يتوقع أن مثل هذا الخطأ الجسيم سوف يكون العنوان العريض للصحافة في اليوم التالي، إلى جانب التذكير بأن فيلم «ضوء القمر» هو الفائز الحقيقي بأوسكار هذا العام.