على الرغم من أن التقدم في العمر، أو الشيخوخة، بما تحمله من تغيرات بدنية، ونفسية، واجتماعية، هي مرحلة طبيعية من مراحل الحياة البشرية، فإن الإنسان لطالما حاول تأخير وقوع تلك التغيرات، وخصوصاً البدنية والجسمانية منها، أو على الأقل التحايل عليها وإخفاء معالم ظهورها، فمنذ الأزل والإنسان يسعى حثيثاً للاحتفاظ الدائم بمظاهر الشباب والصبا، ويبذل جهداً لا يكل لمحو آثار الشيخوخة كلما أطلت بتجاعيدها. وهو البحث الذي حمل الكثيرين إلى أصقاع الأرض النائية، ودفع ببعضهم إلى ممارسات غريبة وشاذة أحياناً. وفي القرن السادس عشر حملت أساطير ينبوع الشباب رحالة إسباني شهير، للإبحار حول جزر الكاريبي، واستكشافها جزيرة تلو الأخرى حتى وصل إلى فلوريدا، بحثاً عن هذا الينبوع الأسطوري. وأثناء هذه الرحلة الاستكشافية، لقي الكثير من أفرادها حتفهم قبل الوصول إلى مكان الينبوع، والذي كان السكان الأصليون يتداولون حكاياته دون أن يدري أحد منهم موقعه بدقة. وفي القرون التي كانت قد سبقت تلك الرحلة المشؤومة، بلغ سعي الإنسان للحصول على الشباب الدائم أشده، مع تطور علم الكيمياء واكتشاف الخواص المميزة للعناصر والمركبات الكيميائية. هذا السعي تركز - في أوروبا بالذات- حول ما يعرف بحجر الفلاسفة أو إكسير الحياة، وهو مركب خرافي كان يفترض فيه أن يحول المعادن الرخيصة إلى ذهب ثمين، بالإضافة أيضاً إلى قدرته على إطالة الحياة والحفاظ على الشباب الدائم واستعادته. ورغم أنه لم يتمكن منذ حينها من اكتشاف هذا الحجر الخرافي، فالتجارب التي كانت تجرى لمحاولة العثور عليه، شكلت الأساس الذي بنى عليه علم الكيمياء الحديث والعديد من الاختراقات الأخرى في عالم الطب والعلاج. ولكن على ما يبدو أن هذا الفشل التاريخي لم يثنِ الكثيرين عن استمرار البحث عن الشباب الدائم، باستغلال الاكتشافات العلمية الحديثة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالهرمونات، وأثرها على خلايا وأنسجة وأعضاء الجسد، وهو ما يتمثل في حقيقة ما شهدته السنوات الماضية من زيادة ملحوظة وواضحة في عدد الوصفات الطبية لهرمون الذكورة للرجال، أو هرمون التيستيرون، وهي الزيادة التي يمكن إدراك حجمها من الإحصائيات التي تظهر عدد متعاطي هرمون الذكورة في العقدين الأخيرين، فقد تضاعف عدد المستخدمين في الولايات المتحدة وحدها، بمقدار ثلاثة أضعاف أو أكثر من الرجال الذين تخطوا سن الأربعين. ولا يختلف الوضع كثيراً في بريطانيا، التي زاد عدد وصفات هرمون التيستيرون فيها بأكثر من الضعف أيضاً، ومن المنظور العالمي يقدر حالياً حجم سوق مبيعات العلاج الهرموني للرجال بأكثر من 2 مليار دولار سنوياً. ويرد هذا الاتجاه المتصاعد إلى تأثير التيستيرون الإيجابي المعروف على الرغبة الجنسية، وقوة الانتصاب لدى الرجال، بالإضافة إلى تأثيره على الأداء البدني والرياضي، كونه أحد أفراد مجموعة هرمونات الستيرويدات المعروفة. إلا أن هذا الاستخدام –أو بالأحرى سوء الاستخدام- قد يكون له أعراض جانبية خطيرة، حسب دراسة نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة (JAMA). وخلصت هذه الدراسة إلى أن من بلغوا ربيع العمر من الرجال، ويعانون من نقص في هذا الهرمون، قد يستفيدون من العلاج في تقوية عظامهم وزيادة صلابتها، وأيضاً في خفض احتمالات إصابتهم بفقر الدم، إلا أنهم قد يتعرضون لمعدلات أعلى من المضاعفات السلبية على القلب، بسبب تراكم ترسبات لدنة داخل الشرايين المغذية لعضلة القلب، أضف إلى ذلك المخاوف والقلق من أن التيستيرون قد يلعب دوراً في الإصابة بسرطان البروستاتا وفي انتشار خلاياه إلى المناطق المختلفة من الجسم. وبذلك تؤكد الدراسة ما هو متفق عليه طبياً أصلاً، وهو أن المرضى المصابين بنقص في هذا الهرمون، سواء لسبب مرضي أو كجزء من عملية التقدم في السن، يمكن أن يستفيدوا فائدة جمة من العلاج البديل، إلا أن الدراسة لم تقطع الشك باليقين في الجدل الدائر حول مستوى الهرمون الذي إذا ما انخفض عنه، فيمكن حينها تشخيص الإصابة بالنقص، والبدء في العلاج. ومما يزيد الموقف تعقيداً، كون أصناف وأنواع عديدة من التيستيرون تُباع حالياً في الولايات المتحدة دون وصفة طبية، بعدما نجحت شركات صناعة الأدوية، خاصة تلك التي تصنع وتسوّق وتبيع هرمون التيستيرون، في خلق حالة طبية وهمية لدى الكثيرين، دفعت بالملايين لتناول وتعاطي هرمون، ليسوا في حاجة حقيقية له. وعلى العكس من ذلك، ترتئي الدول الأوروبية أن «التيستيرون» هو مادة كيميائية، فعالة بيولوجياً، ولا بد من التعامل معها وتعاطيها تحت الإشراف الطبي.