تزامن في دولة الكويت خلال الآونة الأخيرة حدثان اقتصاديان بارزان، يتمثل الأول في الإعلان عن رؤية الكويت لعام 2035، والتي تتضمن توجهات ستساهم في حالة إنجازها في تنويع القاعدة الاقتصادية وتوفير الكثير من فرص العمل وإدخال إصلاحات مهمة على المالية العامة لتنويع مصادر الدخل، في حين تمثل الحدث الآخر في توصية اللجنة المالية البرلمانية بمجلس الأمة بإلغاء للقانون رقم 20 لسنة 2016 بشأن زيادة أسعار البنزين والكهرباء والماء. يذكر أن الكويت رفعت أسعار المحروقات والطاقة ضمن توجه خليجي صحيح ومطلوب لتقليل الاستهلاك ودعم موازنة الدولة من خلال تخفيض الدعم، وتحضير النظام المالي لمرحلة ما بعد النفط، والذي يعتمد على أساليب حديثة يكون نظام الضرائب جزءاً أساسياً منها. وقد نجحت هذه الخطوات في دول المجلس، وساهمت في تعزيز الوضع المالي العام والحد من الاستهلاك المبالغ فيه، مما يبرر ضرورة تطبيقه في الكويت، خصوصاً أن الدعم المقدم للمحروقات وغيرها يشكل عبئاً كبيراً على موازنة الدولة، ويكلفها أكثر من 16 مليار دولار سنوياً، وفق وكيل وزارة المالية، مما يتطلب تخفيض هذا الدعم إلى الحد الأدنى وإيصاله إلى من يحتاج إليه. وتشكل رؤية 2035 أهمية كبيرة كونها تتناسق مع رؤى بقية دول مجلس التعاون والتي تنفذ وفق الإمكانات المالية والإدارية لكل دولة، إلا أنها تصب جميعاً ضمن التحضير لاقتصادات غير نفطية. وتتضمن رؤية الكويت لعام 2035 تنفيذ 50 مشروعاً حيوياً تقريباً في كل القطاعات الإنتاجية والخدمية بتكلفة 60 مليار دولار، وهو ما سيشكل نقلة نوعية للاقتصاد الكويتي يمكن البناء عليها واعتبارها بداية جيدة لإيجاد قاعدة قوية من البنى التحتية التي تشكل أساس التنوع الاقتصادي المنشود. وتمتلك الكويت القدرات والإمكانات اللازمة لإنجاز أهداف الرؤية، إلا أن ذلك يتطلب تعاون كل الأطراف ذات العلاقة بالتنمية وبالتشريعات اللازمة لتسهيل عملية الإنجاز، والتي يمكن أن تشكل نقلة نوعية لعملية التنمية هناك. وفي الوقت نفسه، فإن بعض الجوانب المالية يمكن تحقيقها ضمن الأطر الخليجية، كتطبيق ضريبة القيمة المضافة اعتباراً من بداية العام القادم 2018، حيث صرح بعض أعضاء مجلس الأمة عن تحفظهم على قانون هذه الضريبة في حالة طرحه في المجلس، إذ من المهم أن تطبق ضريبة القيمة المضافة بصورة جماعية لتلافي أية فروقات في الأسعار ضمن السوق الخليجية المشتركة، والمتوقع أن تكتمل أركانها مع التطبيق الكامل للاتحاد الجمركي، وهو ما سيشكل تقدماً كبيراً للتكامل الاقتصادي الخليجي، والذي يشكل فيه الاقتصاد الكويتي أحد أركانه الأساسية، إذ ستكون لضريبة القيمة المضافة عائدات إيجابية على الاقتصادات المحلية. المطلوب أن يكون هناك تنسيق وتفهم بين كل الجهات لما فيه الخير لمستقبل الاقتصاد الكويتي، فالتحديات الاقتصادية تزداد مع الضبابية التي تسود الوضع الاقتصادي العالمي، بما في ذلك استخراج وصناعة النفط والغاز، خصوصاً أن هناك تفهماً وقبولاً اجتماعياً للتوجهات الخاصة برفع أسعار الطاقة ورفع الدعم عن بعض السلع وتقنين هذا الدعم ضمن أطر جديدة تتناسب والمرحلة الحالية. مثل هذا التوجه المهم يتطلب قراءة وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي ورؤية 2035 من قبل كل المؤسسات بروح مهنية، ربما من خلال لجان مشتركة تضم متخصصين لاتخاذ القرارات التي تساعد على عملية التنفيذ، وتأخذ بعين الاعتبار متطلبات التنمية المستدامة والتغيرات الاقتصادية الدولية من جهة ومستقبل التنمية، وبالأخص تنويع القاعدة الإنتاجية ومصادر الدخل وترشيد الاستهلاك وتوفير فرص العمل من جهة أخرى، خصوصاً أن دولة الكويت تملك طاقات بشرية ومادية تؤهلها لبناء اقتصاد قوي لفترة ما بعد النفط. *مستشار وخبير اقتصادي