هجوم الدبلوماسية السعودية على العراق، خطوة جريئة يرى المراقبون فيها ظفراً مؤكداً، إن عاجلاً أو آجلاً. الخطوة - النقلة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، رغم أنها تأخرت كثيراً جداً، لكن المرء لا يسعه والحالة هذه، إلاّ التمني في صيغة دعاء: ليت هذا الهجوم الإيجابي، العروبي في أساسه، أن يستمر ويتوسّع، ليشمل آخرين في المنطقة والإقليم، عرباً كانوا أم عجماً. للدبلوماسية جرأة لا يقدر عليها سوى أشخاص ارتقوا إلى التوحّد مع الوطن ومصالحه، والأمة وثوابتها؛ فالدبلوماسي الناجح بهذا المعنى، يكون هو الشخص الذي ينفذ برؤيته إلى ما بعد الطارئ والمؤقت والمتحرك، إلى ما بعد الأشخاص والأسماء والأضرار التي خلفوها. إن اختراقات جريئة من هذا النوع، في الحواجز الثلجية والنفسية العربية، نحتاجها كثيراً نحن العرب في عالم اليوم؛ فأمورنا في المنطقة العربية، ليست عادية ولا تسر. أقل ما يقال عنها إنها غير مسبوقة، ليس فقط لجهة نوعها، بل لجهة مستوى بعض القياديين العرب من الجيل الجديد، ممن تتملكهم رغبة جامحة بإشعال الحروب حرقاً للمراحل! كثيرون ممن لديهم نسبة تفاؤل عالية بالمستقبل السياسي العربي، رغم الحاضر المعقد والمستقبل الغامض، يرون أن (العداوات) العربية البينيّة، عبر التاريخ الطويل، لطالما كانت مفاجئة وطارئة، وكونها كذلك، فإنها سرعان ما تتبدّد، لا تستقر في الذاكرة الجمعيّة للأمة، كونها أولاً ثانوية وشكليّة غير مهمّة، وثانياً لبعدها عما يجب أن يكون عليه البيت العربي من تماسك وانسجام، وثالثاً وأخيراً لابتعادها عن الثوابت التي شكلت هوية الأمة، التي نستظل بها جميعاً منذ قرون عديدة، سابقة على نزول (اقرأ) وحتى اليوم وإلى الأبد. وبالمناسبة، ما قامت عداوة بين بلدين عربيين، إلاَّ وكانت للأيدي الغريبة، آثار واضحة على جدران القلعة! ما المانع أن نتعرّف على وجهة نظر العراقيين ورؤيتهم؟ ما المانع أن يتعرّف العراقيون على وجهة نظرنا ورؤيتنا، فنحن عمقهم القومي الاستراتيجي؟ ما الذي يريده العراق ويرى فيه مصلحته ولا نعلمه نحن الجوار العربي؟ ما الذي نريده نحن من العراقيين، وتكمن فيه مصالحنا الاستراتيجية، والعراق لا يعلمها؟ هنالك نقطة التقاء في المنتصف، علينا جميعاً العثور عليها. لا خيار في حالة العراق مع جواره الخليجي والعربي، إلا الحوار الجاد والبناء، وإن كان هنالك من خلاف - لا سمح الله - فليكن بعد الحوار وليس قبله. هكذا تعلمنا من التاريخ وأحداثه، والأمثلة على الأرض ما زالت طريّة في العين والذاكرة. لا داعي إلى القول إن العراق دولة عربية، وشعبها عربي، هويةً وتراثاً وتاريخاً، وعليه، فلا بد له من أن يعود إلى مكانته اللائقة في القلعة العربية. وعملية كهذه لن تتحقق إلا إذا ساعده العرب على القيام بها اليوم قبل الغد. فالعراق إحدى الحواضر العربية الكبيرة والمهمة في التاريخ العربي القديم والحديث، وسيبقى كذلك. إن الخطوة التالية التي يتوقع المراقبون أن تكون على غرار (خطوة الجبير) تجاه العراق، هي أن تكون خطوة تجاه العلاقات الخليجية العربية - الإيرانية. وهي خطوة صعبة نوعاً ما، لكن متى جاءت وجرى القيام بها، ستكون جد متميزة، وسينعم بفوائدها الجميع. آمل ألا يكون انتظارنا طويلاً ؟ *إعلامي وكاتب صحفي