حمد الكعبي* الآن تقترب نهاية عصابة «الدواعش»، فقد بدأ العد العكسي لانقراضهم وانتهاء وجودهم في المناطق التي احتلوها من الأراضي السورية والعراقية، ودمروها أشنع التدمير، واقترفوا فيها أبشع الفواحش والمنكرات، وأعلنوا فيها خرافة «الخلافة» في حالة جنون جماعي قلما شهد التاريخ لها مثيلاً. ويبدو أن السرعة التي طلع بها قرنهم منذ البداية لا يضاهيها سوى السرعة التي أخذوا الآن ينهارون بها في هاوية سحيقة بلا قرار، وهذا ما يفسر رقصة الذبيح التي يرقصونها الْيَوْم، فقد صعد زعيم عصاباتهم مسجد النوري في الموصل وخطب خطبته الوحيدة، وستكون الأخيرة بإذن الله، بعد أن يتم الدعس والدهس على الإرهاب بكل أشكاله وأذياله، لترتاح منهم العباد والبلاد التي أكثروا فيها الفساد. ‎وغاب بعدها زعيم ذلك التنظيم الإرهابي، والتشكيل العصابي، وتوارى عن الأنظار إلى غير رجعة، وحشد معه إلى مآله المحتوم زمرة الأشرار من أصحابه في عنابر السجون من الإرهابيين الذين استولى معهم على أموال العراقيين والسوريين بغير وجه حق، ونهب مقدراتهم، لتنفيذ جرائمه وما تدرب عليه هو والمتطرفون المنحرفون زملاؤه في الزنزانة. ‎هذا التنظيم البائس جعل البعض يستثمر وجوده لتحقيق مآرب خبيثة، وتنفيذ مخططات تطهير عرقي ومذهبي مفضوحة، وتوظيف جنون الدواعش وجهلهم وجاهليتهم لتحقيق مكاسب سياسية وتنفيذ دسائس مذهبية وعنصرية مكشوفة على حساب العرب والمسلمين. ففي سوريا، بدأ مرتزقة «داعش» أولاً بالسيطرة على أراض كانت خاضعة لسيطرة فصائل من المعارضة المسلحة، التي تحارب قوات نظام الأسد وحلفائه من ميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وأفغانية موالية لإيران. ‎وبسرعة استغلت دمشق ظهور «داعش» لتؤكد على صحة مزاعمها حين كانت تعتبر أن معركتها ضد المعارضة هي حرب «ضد الإرهاب»، رغم أن المتشددين خاضوا مواجهات ضد مسلحي المعارضة قبل مواجهة القوات الحكومية. ‎ثم دخلت إيران والميليشيات الموالية لها على خط استثمار ورقة «داعش»، ووجدت في تمدده مبرراً لدخول النزاع السوري إلى جانب نظام الأسد، الذي كانت قواته قد بدأت تخسر معظم الأراضي لصالح المعارضة. ولذلك كان لوجود «داعش» دور خطير في إطالة أمد النزاع السوري، وغيّر الأولويات الدولية من المطالبة برحيل الأسد إلى ضرورة القضاء على الإرهاب. ‎ وجرّ أيضاً وجود «داعش» الروس إلى الانخراط في المنطقة، ومن ثمّ تغيرت المعادلة لصالح الميليشيات، وكل ذلك جرى وفقاً لمبررات ودواعي محاربة الإرهاب وطرد «الدواعش» من جحورهم، وإعادة الأراضي السورية التي سيطر عليها التنظيم وأعوانه. وبعد سلسلة الهزائم التي مُني بها التنظيم المتشدد في مناطق نفوذه، ولا سيما في معاقله بسوريا والموصل مؤخراً، باتت قدراته محدودة وورقته أصبحت محروقة، كما تقلصت الموارد المتاحة له بعد تجفيف منابع مصادر الدخل التي كانت تدر على الدواعش أموالاً طائلة تمكنهم من تجنيد المغرر بهم، وتنفيذ مخططات إرهابية، وتمويل عمليات دموية وتمثيل أفلام هوليودية! من مشاهد الرعب الصفيق والعنف الطليق، بحق الأبرياء. ‎ومع هذا يدرك كثير من المراقبين الآن ضرورة الحذر من أن يلجأ شراذم التنظيم للرد على هزائمهم بتكتيكات جديدة على غرار الذئاب المنفردة، والعمليات الغادرة ضد أية أهداف رخوة قد يجدونها. ‎والأرجح أن المعادلة ستتغير الآن، وقد صار القضاء على هذا التنظيم الإرهابي الذي يهدد استقرار المنطقة كلها مسألة وقت فحسب، في ظل وجود تحالف قوي مصمم على دحر الإرهاب واقتلاع جذوره من المنطقة. هذا علاوة على الخطط الأكثر حسماً في الدول الغربية والتي حزمت أخيراً أمرها، وسدت الثغرات والأبواب على تسرب بعض مراهقيها وشبابها وتسللهم من أمام شاشات الإنترنت إلى ميادين الإرهاب وعصابات القتل والسحل من كل نوع وشكل. ‎كما أن تصميم دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في الالتزام تجاه الأزمة السورية، من خلال الاستعداد لإرسال قوات خاصة لتحرير الأراضي التي يسيطر عليها «الدواعش»، وتسليمها للمعارضة المعتدلة، سيضع التنظيم ومن يدعمه في زاوية حرجة جداً، وهي خطوة من شأنها تقليص باقي العمر الذي وضعه بعض المحللين والخبراء السياسيين، لهذا التنظيم الدموي، وهذه الأزمة النازفة معاً. ‎ومع هذا يحذر بعض المراقبين أيضاً من أن خسارة «داعش» لمناطق واسعة، ولمصادر التمويل وأبرزها تهريب النفط، قد لا تعني قرب نهايته، لا سيما مع استمرار النزاع في سوريا. ‎كما أن نهاية «داعش» أيضاً ليست بالضرورة مرهونة حصراً بحل النزاع السوري وأزمات المنطقة، بل ترتبط حتماً بقرار من بعض الدول الغربية والإقليمية مثل إيران، بإحالته على التقاعد بعد أن أدى المهمة المرسومة له، في تخريب المنطقة، وتشريد بعض شعوبها. وهذه الزاوية الأخيرة في النظر إلى المسألة، قد لا تخلو من المعنى، ولا من الصحة والدقة في التحليل. *صحفي إماراتي