رغم الجدل الذي سبق وصاحب استقالة مايكل فلين من منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ترامب، ثم الحرج الذي أثاره للإدارة اعتذار الآدميرال المتقاعد روبرت هاروارد عن تولي المنصب عقب الإطاحة بفلين.. فإن تعيين الجنرال هربرت ريموند ماكماستر مستشاراً للأمن القومي لم يثر أي جدل كبير، ليس فقط لأن قرار التعيين في هذا المنصب لا يتطلب موافقة الكونغرس، ولكن أيضاً لأن الرجل معروف لدى شركاء الولايات المتحدة، ومحل ثقة عند المؤسسة الأمنية الأميركية. لذا فقد كان ترامب محقاً حين قال إنه «يحظى باحترام كل شخص في الجيش، ونحن فخورون وسعداء جداً بأن نضمه». وهربرت ريمون ماكماستر هو ضابط في الجيش الأميركي برتبة فريق، عمل في مواقع وأماكن مختلفة على مدى 35 عاماً من المخدمة العسكرية، اشتهر بين الضباط بقدراته الفكرية وجرأته النقدية، وكان حتى تعيينه مستشاراً للأمن القومي، يوم الثلاثاء الماضي، مديراً لمركز القدرات العسكرية المتكاملة، ونائب القائد العام لشؤون التدريب والعقيدة العسكرية في الجيش الأميركي. ولد ماكماستر في فيلادلفيا بولاية بنسيلفانيا عام 1962، وتلقى تعليمه الثانوي في أكاديمية «فالي فورج» العسكرية، ليتخرج منها عام 1980، وحصل على رتبة ملازم ثان عقب تخرجه من أكاديمية «وست بوينت» العسكرية الأميركية عام 1984، حيث نُقل إلى فرقة المدرعات الثانية في «فورت هود»، قبل أن تولى قيادة الكتيبة الأولى في فوج المدرعات الـ66. ثم نُقل في عام 1989 إلى فوج الفرسان المدرع الثاني في «بامبرج» بألمانيا. لكنه تركها ليشارك في حرب الخليج الثانية (عاصفة الصحراء) عام 1991، حيث قاد «قوات النسر» في فوج الفرسان المدرع الثاني، وشارك في «معركة 73»، واستطاع تدمير ثمانين من دبابات الحرس الجمهوري العراقي، فضلا عن صهاريج وقوده. ومع أن الدبابات العراقية كانت من طرازات T-62 وT-72 السوفييتية القديمة، فقد تم منح ماكماستر النجمة الفضية، كما حظيت «معركة 73» بتغطية إعلامية كبيرة، وبات يتم تدريسها في الكليات العسكرية الأميركية. وقد درّسها ماكماستر نفسه حين عمل أستاذاً للتاريخ العسكري في «ويست بوينت» بين عامي 1994 و1996. ومن «ويست بوينت» ذهب ماكماستر إلى كلية قيادة الأركان التابعة للقوات الجوية الأميركية، لكن كطالب، ليتخرج منها عام 1999. وفي العام ذاته عُين آمراً للسرب الأول في فوج الفرسان الرابع. وقبيل غزو العراق عام 2003 تم تحويله إلى القيادة المركزية الأميركية، مكلفاً بالتخطيط والعمليات. وفي ذلك العام تمت ترقيته من رتبة مقدم إلى رتبة عقيد، وعمل كمساعد تنفيذي للجنرال جون أبي زيد نائب رئيس القيادة المركزية الأميركية. وحين أصبح أبي زيد رئيساً للقيادة المركزية الأميركية في يوليو 2003 ، اختار ماكماستر كبيراً لمستشاريه. ثم اختاره في العام التالي لقيادة فوج الفرسان المدرع الثالث المنتشر في العراق، وكلفه بتأمين مدينة تلعفر، حيث استطاع هزيمة المسلحين هناك. وهو نجاح أشاد به الرئيس بوش الابن وخصه الإعلام الأميركي بتغطية كبيرة، تضمنت مقابلات مع ماكماستر الذي أوضح أن جانباً من تكتيكاته تمثل في إدخال القوات إلى المناطق الحضرية الخطرة، بعد أن كانت خارج المدن باستثناء دوريات نهارية صغيرة تعود إلى قواعدها ليلا. لكن التواجد الدائم لهذه القوات ودورياتها المتواصلة، منح السكان المحليين شعوراً بالأمان، وشجعهم على تقديم معلومات عن التمرد، دون خشية التعرض لانتقام المسلحين. ورغم النصر الذي أحرزته القوات الأميركية، فهناك اتهامات لها بارتكاب أعمال قتل وتدمير بحق المدنيين والأحياء السكنية في تلعفر، وباستخدامها أسلحة محرمة دولياً. وأصبح ماكماستر، في أغسطس 2007، ضمن الفريق الاستشاري لقائد القوات الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس حول عمليات مكافحة التمرد. وورغم سمعته كواحد من العسكريين الأكثر شهرة خلال حرب العراق، لم يرد اسمه ضمن قائمة الترقية إلى رتبة عميد في ذلك العام. لكنه عين في أغسطس 2008 مديراً لتنمية المفاهيم والممارسات في معهد القدرات العسكرية المتكاملة في فورت مونرو بفرجينيا، وأصبح معنياً بخطط تدريب الجيش الأميركي وتطوير عقيدته العسكرية للأعوام العشرين القادمة. بيد أنه غادر فرجينيا إلى كابول في يونيو 2009، ليصبح نائب مدير التخطيط في قيادة «إيساف». ومن هناك نقل مجدداً إلى قاعدة فورت بينينج بولاية جورجيا، حيث تولى إدارة مركز التميز، قبل أن يقوم وزير الدفاع تشاك هاجل، في فبراير 2014، بترقيته إلى رتبة عميد، ثم تعيينه في يوليو من العام ذاته نائباً للقائد العام لشؤون التدريب والعقيدة العسكرية في الجيش الأميركي. وقد أشاد بماكماستر قادة عسكريون، منهم الجنرال مارتن ديمبسي الذي قال إنه «قد يكون أفضل عميد لدينا». كما وصفه الجنرال المتقاعد ديف بارنو بـ«المحارب المفكر» واعتبره «مهندس جيش الولايات المتحدة في القرن الـ21». وإلى ذلك فقد وضعته مجلة «تايم» ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم خلال عام 2014. وقد حرص ماكماستر على التكوينه الفكري والثقافي؛ فبموازاة مساره المهني الاحترافي، حصل على درجة الماجستير في الآداب، ثم الدكتوراه في التاريخ الأميركي، من جامعة «نورث كارولينا»، عن أطروحة حول الاستراتيجية الأميركية في حرب فيتنام، وقد طورها إلى كتاب نقدي بعنوان «إهمال الواجب»، نشره عام 1997، انتقد فيه الرئيس جونسون ووزير دفاعه روبرت ماكنمارا وكبار القادة العسكريين الذين فشلوا في تقديم خطة ناجحة لتهدئة تمرد الفيتكونغ. ويبين ماكماستر كيف أن العمليات العسكرية الأميركية افتقرت إلى «العزم» و«التواصل»، وأنها فشلت لتركيزها على إنجاز أهداف عسكرية قليلة ومتضاربة. وقد قُرأ الكتاب على نطاق واسع في دوائر البنتاغون وتم إدراجه في قوائم القراءة العسكرية. لذلك يتساءل مراقبون عن مصير علاقة الضابط المعروف بنقده لصانعي القرار، بالإدارة الحالية التي لم تظهر تقبلا للنقد في شهرها الأول. بيد أن اختيار الرئيس ترامب له قد يفهم على أنه خيار حيادي لا يثير خلافاً كبيراً مع المعارضين، خاصة في ظل الانتقادات التي تتعرض لها الإدارة عقب استقالة فلين على خلفية الشكوك حول علاقته بروسيا، ثم اعتذار هاروارد عن تولي المنصب. كما ينظر إلى تعيين ماكماستر على أنه رسالة من ترامب لتقوية علاقته بالمؤسسة الأمنية، عبر إصراره على تعيين ضباط منها في مناصب عليا بإدارته، حيث يصبح ماكماستر أول عسكري يصبح مستشار الأمن القومي بعد كولن باول في عهد ريغان. وأياً تكن الدوافع والرهانات وراء تعيين ماكماستر، فإنه يتولى مهام منصبه الجديد بينما تواجه الولايات المتحدة العديد من التحديات الأمنية؛ بما فيها مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية الأخيرة، والاختبارات الصاروخية التي قامت بها كل من إيران وكوريا الشمالية مؤخراً، علاوة على الحرب المتواصلة ضد «داعش» في كل من العراق وسوريا. وكما يتوقع أن يتبنى نظرة متشككة حيال روسيا، فمن المتوقع أيضاً أن يسعى لاستعادة الثقة لدى العواصم العربية الحليفة لواشنطن، لذلك فقد انتقد في أول اجتماع لموظفي مجلس الأمن القومي، الخميس الماضي، استخدام مفهومي «الإرهاب الإسلامي» و«الإسلام المتطرف» من قبل ترامب ومسؤولي إدارته، قائلا إنه استخدام خاطئ ومسيء للمسلمين.. في أحدث تصريح لـ«المحارب المفكر» والجنرال المنتقد! محمد ولد المنى