في الوقت الراهن، تزداد الصلة التي تربط بين الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة متانة، وتشهد علاقاتهما دفئاً متزايداً، وذلك على خلفية رغبتهما المتبادلة في رفع مستوى التعاون بينهما في جميع المجالات الممكنة. ومن ضمن المجالات التي تركز عليها الدولتان في شركاتهما الاستراتيجية، المجال الفضائي. ففي الوقت الذي تمتلك فيه الهند برنامجاً فضائياً وطنياً، جرى تطويره على مدار خمسة عقود، تعمل دولة الإمارات جاهدة من أجل تعزيز برنامجها الفضائي الخاص، وتتطلع لإرسال مهمة إلى كوكب المريخ بحلول عام 2021- الأولى التي تقوم بها دولة عربية- لتتزامن مع الذكرى الخمسين لتأسيسها. والهند لم تكن فقط، هي أول دولة آسيوية تضع قمراً صناعياً في مدار حول كوكب المريخ، ولكنها أول دولة تنجح في ذلك من المحاولة الأولى التي قامت بها منذ عامين. والمركبة الفضائية الهندية، التي يبلغ وزنها 1337 كليو جراماً، والمسماة «مانغال يان» التي تعني«المريخ باللغة الهندية، سافرت لمدة تجاوزت 300 يوم، غطت خلالها ملايين الكيلومترات، حتى وصلت للمريخ في خاتمة المطاف عام 2015. وكانت الهند ودولة الإمارات، قد دشنتا المحادثات بينهما في هذا المجال في نفس هذا العام(2015)، وذلك عندما قام أعضاء من و«كالة الإمارات للفضاء» بزيارة رسمية إلى «منظمة أبحاث الفضاء الهندية»، لمناقشة فرص التعاون بين البلدين، في مجال استكشاف الفضاء. وقرر البلدان عقب مباحثاتها، تكوين مجموعة عمل بين الوكالتين. وتكوين هذه المجموعة، يعد جزءاً من الجهود المبذولة من قبل وكالة الإمارات للفضاء، لبناء شراكات استراتيجيات، وتحقيق أهداف التعاون الإقليمي والدولي في مجال هذه الصناعة، كجزء من مجهود أكبر تهدف من خلاله لتطوير برنامجها الفضائي. والتعاون الوثيق بين البلدين، أدى إلى الإنجاز الذي تحقق هذا الأسبوع، عندما أطلقت منظمة أبحاث الفضاء الهندية بنجاح قمر «نانو» صناعي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو القمر « نايف-1»، الذي كان من ضمن الـ 104 أقمار صناعية، التي جرى إطلاقها من قاعدة سيري هاري كوتاالواقعة في جنوب الهند. وهذا الإطلاق لم يؤد. لتسجيل رقم قياسي عالمي جديد، في مجال عدد الأقمار المطلقة مرة واحدة، وإنما عزز أيضاً من مكانة الهند في هذه الصناعة، التي تبلغ قيمة رؤوس الأموال المستثمرة فيها، عدة مليارات من الدولارات. والـ 104 قمراً التي يبلغ وزنها 1378 كيلو جراما، أُطلقت بوساطة مركبة الإطلاق القطبية الفضائية (PSLV) وهي عبارة عن صاروخ محلي الصنع، جرى وضعه بنجاح في المدار. وهذا الإنجاز الضخم في مجال إطلاق هذا العدد من الأقمار، فاق الرقم القياسي السابق، لعدد الأقمار المطلقة دفعة واحدة، المسجل باسم روسيا. وقد جرى إرسال الأقمار الصناعية الهندية إلى المدار واحداً تلو الآخر، وهو ما أظهر قدرة الهند على التعامل مع مثل هذه المهام، ما دشن لحظة فخر كبرى لعلماء الفضاء الهنود. والأقمار الصناعية التي جرى إطلاقها اشتملت على سلسلة صاروخ «كارتوسات -2» التي يبلغ وزنها 714 كيلوجراماً، التي تستخدم في مراقبة كوكب الأرض. فالصور التي سيرسلها هذا الصاروخ، ستستخدم ليس من أجل رسم الخرائط فحسب، وإنما في مراقبة جيران الهند كذلك. على مدر العقدين الماضيين، برزت الهند، كدولة رائدة في مجال إطلاق الأقمار الصناعية منخفضة التكلفة، ما مكنها من إطلاق 74 قمراً لدول أجنبية- منها 8 لسنغافورة- إلى الفضاء خلال العقدين الماضيين. كما نجحت الهند أيضاً في بناء برنامج فضاء محلي، بات الآن منافساً شرسا في السوق الفضائية، التي حجم الأموال المستثمرة فيها، عدة مليارات من الدولارات، ويقال إن تكلفة عمليات إطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء بوساطة الهند، تقل عن غيرها من الدول بنسبة 60 في المئة على الأقل، كما يقال إن علماء الفضاء الهنود قد بنوا كل شيء تقريبا بدءاً من أقمار وصواريخ الاسشعار عن بعد، وانتهاء بالكاميرات المركبة على تلك الأقمار. ومقدرة الهند على إطلاق الأقمار الصناعة، أثارت قلق الشركات الأجنبية الخاصة، من احتمال انتقال عمليات إطلاق الأقمار الصناعية إلى الهند، حيث التكلفة تقل عن غيرها من الدول، بنسبة 60 في المئة- كما سبقت الإشارة. وسبب استمرار انخفاض التكلفة، يرجع إلى أن علماء الفضاء الهنود يتقاضون رواتب أقل، مقارنة بنظرائهم الأجانب، كما يرجع كذلك إلى انخفاض تكلفة المكونات، وعمليات الإنتاج، وهو ما يسهم في مجمله في إبقاء حجم الحمولة صغيراً، ويسمح باستخدام صواريخ أصغر حجماً في عملية الإطلاق، من أجل تخفيض تكلفة الوقود. وأكثر الأقمار الصناعية دراً للمال لوكالة الفضاء الهندية هو(PSLV) الذي يعتبر العمود الفقري للوكالة، وينسب إليه الفضل في تحقيق عدة نجاحات. ومما يشار إليه أيضا في هذا السياق، أن الهند قد قامت أيضاً بإرسال العديد من الأقمار الأميركية مع مركبة الإطلاق الحالية، ليس بشكل ناجح فحسب، وإنما في المواعيد المحددة أيضاً. في الوقت الراهن، تمتلك وكالة الفضاء الهندية، قدرات إرسال صواريخ إلى المدار لا يزيد وزنها على 2 طن. لذلك تبذل الوكالة حالياً قصارى جهدها، من أجل تحقيق هدف إرسال أقمار، يمكن أن يصل وزنها لعشرة أطنان، كما تستمر في الآن ذاته في إجراء الأبحاث على صواريخ إطلاق أقمار صناعية أثقل، يطلق عليها "مركبة الإطلاق المتزامن" أو GSLV Mark-3. وهي عبارة عن مركبة من ثلاث مراحل، تستخدم المرحلة الأولى منها محركات صاروخية صلبة، وتستخدم الثانية وقوداً سائلاً، والثالثة محركات عالية التبريد. د.ذِكْرُ الرحمن *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي