لقد عايش دونالد ترامب حطام عقود من الدبلوماسية الفاشلة في التعامل مع الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وخلص إلى أنه سيكون الرئيس الأميركي الذي يرعى اتفاق سلام شاملاً في الشرق الأوسط، حيث قال الأسبوع الماضي في مؤتمر صحفي مع نتنياهو: «إنها قد تكون صفقة أكبر وأفضل مما قد يعتقده الأشخاص الموجودون في هذه القاعة». وعندما وصل أوباما إلى الرئاسة في 2009، كانت احتمالات التوصل إلى صفقة تؤدي لقيام دولة فلسطينية تبدو ضئيلة أصلاً، والسبب في ذلك يعود إلى حد كبير إلى الطرفين، اللذين إضافة إلى كونهما يمقتان بعضهما بعضاً، كانا غير مستعدين وغير قادرين سياسياً على تقديم التنازلات الضرورية. وبعد ثماني سنوات على ذلك، صارت عملية السلام أكثر صعوبة من ذي قبل. غير أن ذلك لم يثبط عزيمة أوباما الذي خلص إلى أنه يمكن أن ينجح فيما فشل فيه الآخرون عبر إبداء بعض «الحب الصارم» تجاه إسرائيل، بدءاً بمطالبتها بتجميد تام لبناء المستوطنات في الضفة الغربية. وكان يظن أن هذا، إلى جانب جهوده للتقرب من العالم الإسلامي، من شأنهما السماح بالتوصل لاتفاق سلام في غضون عامين. ولكن مخطط أوباما سرعان ما مني بالفشل، للسبب نفسه الذي نبهه إليه مستشاروه الخبراء وقتئذ: أن الضغط لأميركي لن يدفع إسرائيل أبداً إلى تجميد بناء المستوطنات بشكل كامل! ثم جاء كيري، الذي كان يعتقد أن الطرفين سيذعنان لما تعتبره واشنطن الشروط الضرورية للتوصل لتسوية، وأن كل ما هناك هو أنهما في حاجة لشخص، مثله، لديه المهارات السياسية والتفاني والتصميم لدفعهما لذلك. ولكن بعد سنة شاقة من الجهود الحثيثة، ثبتت صحة تنبؤات الخبراء مرة أخرى: أن نتنياهو لا يقبل الأفكار الأميركية، ولو كأساس فضفاض للمفاوضات المقبلة. واليوم، جاء دور ترامب، الذي يبدو أنه يعتقد، على غرار أوباما، أن على الولايات المتحدة أن تقلص حجم التزاماتها الدولية، وتكف عن السعي لبناء الدول -فيما عدا ما يتعلق بالإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن مرة أخرى، يدق الخبراء المخضرمون ناقوس الخطر، ويحذرون من أن «الظروف اليوم، للأسف، ليست مهيأة لاتفاق سلام، بالنظر إلى الهوة غير المسبوقة القائمة بين الطرفين»، كما يقول الخبيران المخضرمان المتخصصان في الشرق الأوسط ديفيد ماكوفسكي ودنيس روس. وكذلك كتب خبير آخر هو مارتن إينديك يقول: «الواقع أنه لا الإسرائيليون ولا الفلسطينيون يعتقدون، في هذه اللحظة، أن السلام ممكن». ولكن لا بأس، يقول ترامب، فلديه فكرة جديدة. والحقيقة أنها فكرة قديمة أعادها إلى الواجهة نتنياهو، الذي اقترح العام الماضي أن تبني إسرائيل على ما يعتبره هو مصالح مشتركة مع دول عربية في احتواء السياسة التوسعية لإيران، ومواجهة تهديد الجماعات الإرهابية. وفي أثناء ذلك، قد تتفق هذه البلدان حول اتفاق سلام تعترف فيه أخيراً بإسرائيل في مقابل تنازلات تقدمها هذه الأخيرة للفلسطينيين. «إنه شيء مختلف تماماً، لم يناقش من قبل»، يقول ترامب بغير قليل من السذاجة. «إنه في الحقيقة اتفاق أكبر بكثير، وأهم بكثير. وسيشمل الكثير من البلدان، كما سيغطي منطقة واسعة جداً». والواقع أن الفكرة تعود إلى 2002، عندما تبنت الجامعة العربية مقترحاً من السعودية ينص على إقامة علاقات مع إسرائيل في مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة. ويمكن القول إن حقيقة أن ذلك المخطط ظل يراوح مكانه أمر غني بالدلالات: فالحكومات العربية غير مستعدة للتفاوض نيابة عن الفلسطينيين، ناهيك عن دعم شروط تسوية سيرفضها الجانب الفلسطيني. وفي المقابل، فإن العملية لن يكتب لها النجاح إلا إذا توصل إسرائيل والفلسطينيون لاتفاق -وهو ما يعتبر متعذراً وغير وارد، في الوقت الراهن. ولكن ماكوفسكي وروس لديهما اقتراح معقول: بدلاً من السعي لتحقيق نجاح كبير في الشرق الأوسط، ربما يجدر بهذه الإدارة أن تحاول تحقيق خطوات صغيرة ناجحة وقوية مثل: إقناع نتنياهو بقصر بناء المستوطنات على المناطق الواقعة داخل الجدار الأمني الذي أنشأته إسرائيل بالقرب من حدودها مع الضفة الغربية. والواقع أن بضع خطوات من هذا القبيل يمكن أن تخلق تدريجياً مناخاً دبلوماسياً أحسن وتبقي على الأقل على خيار الدولة الفلسطينية للمستقبل. وبالطبع، فإن ترامب لن يفوز بأي جوائز سلام أو حقوق تباه وافتخار بتحقيق إنجاز كبير، ولكنه على الأقل لن يكون، في هذه الحالة، رئيساً أميركياً آخر فاشلاً في الشرق الأوسط. جاكسون ديل محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»