اللغز في قصة ترامب وروسيا هو الدافع. فمما لا شك فيه أن لدى الرئيس الأميركي حالة غريبة من الشغف بروسيا، إذ أحاط نفسه بمساعدين لديهم علاقات بموسكو، مساعدين كانوا يتحدثون مع عملاء روس خلال الحملة الانتخابية، وبعضهم يدفع حالياً باتجاه اتفاق سلام مريب في أوكرانيا. بل إن ترامب ذهب مؤخراً إلى حد وضع الولايات المتحدة ونظام بوتين في مرتبة واحدة. لكن لماذا؟ إنه سؤال معقد، وسيتعين على «مكتب التحقيقات الفيدرالي» ولجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ أن يركزا أولاً، في تحقيقاتهما المتعلقة بروسيا، على ما حدث: ما إذا كان فريق ترامب قد انتهك أي قوانين، وما إذا كان الرئيس قد كذب بشأن ذلك. غير أنه ينبغي أيضاً للمحققين، وكذلك للصحفيين الذين يقومون بتغطية هذا الموضوع على نحو جيد، أن يستحضروا الدافع، لأنه يساعد على فهم بقية القصة. وعموماً، أعتقد أن ثمة خمسة تفسيرات ممكنة لشغف ترامب بروسيا: الأول هو التبرير الذي يعطيه ترامب نفسه، والذي يقول إن من شأن توترات أقل مع روسيا أن تفيد الولايات المتحدة. وهو موقف معقول في الواقع، ولا يختلف كثيراً عن موقف جون كيري، وزير خارجية الرئيس أوباما. فقد كان كيري ينظر إلى روسيا، الحليف الرئيسي لبشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، باعتبارها ضرورية لإنهاء المذبحة التي يرتكبها الأسد، بينما كان العديد من المسؤولين الآخرين في إدارة أوباما يعتقدون أن طلب مساعدة بوتين هو ضرب من ضروب العبث. لكن لنتذكر أن أوباما لم يأت بأي مقاربة ناجحة حيال سوريا. وسيكون من الحكمة أن يسعى أي خلف له إلى رؤية ما إن كانت روسيا ستستطيع المساعدة في التخفيف من حدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وبالطبع فإن سوريا لا يمكنها أن تفسر كل علاقات ترامب الروسية، فهذه كثيرة جداً وخطيرة جداً، وجميعها يشير إلى التفسيرات (المؤامرات) الثلاثة التالية: التفسير الثاني هو مؤامرة التجارة، فنظراً لأن العديد من البنوك الأميركية ترفض إقراض شركة ترامب الغارقة في الديون، فإنه اضطر للبحث في أماكن أخرى، مثل روسيا. والواقع أنه كان بمقدور ترامب توضيح الأمر وإزالة كل الشبهات عنه عبر الإفراج عن كشوفاته الضريبية. أما وأنه لم يفعل، خلافاً لكل المرشحين الرئاسيين في العصر الحديث، فهذا يعني أنه لا يستحق الاستفادة من افتراض البراءة. والافتراض الأكثر إنصافاً، في هذه الحالة، هو أن لديه علاقات تجارية روسية يريد إبقاءها بعيدة عن الأنظار. التفسير الثالث هو مؤامرة سياسية، وهو الذي يوجد محل تحقيقات قانونية. فالحقائق المتاحة مقلقة: مستشارون في حملة ترامب لانتخابات الرئاسة كانوا على صلة وثيقة بدائرة بوتين، وبعضهم تحدث مع مسؤولين روس خلال الحملة الانتخابية. وفي الأثناء، كانت حكومة بوتين تدير هجمات إلكترونية مؤيدة لترامب. وإذا ما تبين أنه كان ثمة تنسيق بين الجانبين (حتى الآن، لم يظهر أي دليل على ذلك)، فإنها ستكون من دون شك فضيحة أعظم وأسوأ من «ووترغيت». التفسير الرابع، وهو الأضعف: إنها الفكرة التي يتضمنها ملف جمعه محققون خاصون، وخلاصتها أن لدى روسيا مواد مضرة بترامب تستعملها لابتزازه وللضغط عليه. غير أنه إلى أن تظهر أدلة حقيقة على ذلك، فإني أدعوكم لتجاهل هذه النظرية. الدافع الممكن الأخير -تحالف إيديولوجي– هو الأكثر إثارة للقلق، فبوتين ليس زعيماً «يملك سيطرة قوية جداً على بلده» فحسب، كما قال ترامب بحماس، ولكنه يروج أيضاً لقومية بيضاء ذات مسحة مسيحية تصوِّر الإسلام و«النخب العالمية» باعتبارهما العدو. صحيح أنه لا يذهب في هذه التلميحات إلى الحد الذي يذهب إليه القوميون الروس المتعصبون، على غرار مغازلة ترامب لليمين البديل. ولكن التلميحات في الحالتين موجودة لا ريب فيها. ومثلما يقول مايكل ماكفول، وهو سفير أميركي سابق لدى روسيا، فإن «خطاب تنصيب ترامب بدا شبيهاً بأشياء سمعتها من القوميين الروس عدة مرات». ومن الواضح أن ستيفان بانون، الذي صعد إلى الواجهة باعتباره المستشار الأكثر نفوذاً في البيت الأبيض، يؤمن بالتحالفات الأيديولوجية، وترامب يبدو منفتحاً عليها. فعقب فوزه بالانتخابات، كان القومي البريطاني نيجل فراج أولَ شخص يلتقيه ترامب، حتى قبل رئيسة الوزراء البريطانية. غير أنه خلال الأيام الأخيرة، عمد ترامب إلى تخفيف تعليقاته المؤيدة لروسيا، بل ذهب إلى حد انتقاد سلوكها في أوكرانيا. وبالتالي، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأننا نعرف القصة الكاملة لترامب وروسيا. لكن استناداً إلى ما نعرفه بالفعل، فإنها تمثل خطراً حقيقياً على المصالح الأميركية. لذلك، ينبغي على الجمهوريين الذين يديرون مجلس الشيوخ ومكتب التحقيقيات الفيدرالي مواصلة تحقيقاتهم دون الإذعان الذي أبدوه لترامب حتى الآن. أما إذا لم يفعلوا، فإن المسرِّبين والصحفيين الوطنيين هم من ستقع عليه مهمة الكشف عن الحقيقة. ديفيد ليونهاردت: محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»