اعتباراً من مايو القادم سيكون للنيابة العامة بدبي، وبالنسبة لجرائم الجنح والمخالفات المعاقب عليها بالغرامة، أو بالحبس أو الغرامة، والواقعة ضمن اختصاص الإمارة، سُلطة إصدار أمر جزائي على من يثبت ارتكابه للجريمة بغرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر لها قانوناً، بالإضافة إلى العقوبة التكميلية، دون إحالة القضية إلى المحكمة المختصة، فيما عدا جرائم الأحداث التي لا يجوز الحكم فيها بالغرامة أساساً. وقد أعطيت النيابة صلاحية إصدار الأمر القضائي بموجب قانون محلي صدر مؤخراً، وهو قانون معمول به في الكثير من الدول. ولئلا يجتمع في يد النيابة العامة سلطة الاتهام والحكم، فقد أُعطي للمتهم حق الاعتراض على أمر النيابة، فيلغى فوراً ويعتبر كأن لم يكن وتحال الدعوى للمحكمة المختصة، وعدم استخدام المتهم حقه في الاعتراض يعني أنه رضي بالنيابة حكماً. ويهدف القانون كما أشارت مواده إلى سرعة البت في الدعاوى الجزائية، وتخفيف العبء على المحاكم، وتبسيط إجراءات التقاضي واختصار الوقت والجهد والنفقات على أطراف الدعوى الجزائية. ولنا أن نتخيل أن قضايا الشيكات تنتهي في مكتب وكيل النيابة خلال يوم أو بعض يوم، بغرامة يفرضها على المتهم لا تتجاوز في حدها الأقصى 150 ألف درهم، بدلاً من أن تحال إلى المحكمة، وتُعقد من أجلها جلسة أو جلسات، ثم قد ترفع إلى محكمة الاستئناف، والمزيد من الجلسات، والوقت، والجهد، والنفقات.. ثم تصدر على المتهم العقوبة ذاتها التي أمر بها وكيل النيابة. وهكذا بالنسبة لقضايا القذف، يمكن أن يغلق الملف فيها في النيابة العامة في يوم واحد، بإيقاع غرامة على المتهم لا تتجاوز 10 آلاف درهم، وبالنسبة لقضايا السب فالغرامة لا تتجاوز 5 آلاف درهم، والمجاهرة بالإفطار في نهار رمضان بغرامة لا تتجاوز 5 آلاف درهم، والامتناع عن دفع ما استحق عليه في مطعم أو فندق أو مكتب تأجير سيارات بغرامة لا تتجاوز 2,500 درهم، والسرقة البسيطة بغرامة لا تتجاوز 150 ألف درهم، وثمة جرائم أخرى كثيرة يجوز للنائب العام تضمينها في القانون، لتنتهي في غضون أيام قليلة، في حال ثبت ارتكاب المتهم للجريمة، مع الحفاظ على حق المتضرر من الجريمة في ملاحقة الجاني مدنياً ومطالبته بحقوقه. ولأن القانون لم ينص، إضافة إلى عقوبة الغرامة، إلا على العقوبة التكميلية، والتي غالباً ما تكون في هذه الحالة بمصادرة الأشياء المستعملة في الجريمة إن وُجدت، فإن الجرائم المعاقب عليها بالحبس أو الغرامة، وتتضمن أيضاً تدبير الإبعاد عن الدولة، ستأمر النيابة العامة فيها بعقوبة الغرامة فحسب. وأعتقد أن القانون الجديد سيصنع فارقاً على المستوى القضائي، حيث ستضطلع المحاكم بالقضايا الأكثر أهمية والأشد خطورة، وعلى المستوى المادي، حيث توفير النفقات على الأفراد والمؤسسات، وعلى مستوى الكوادر البشرية، حيث توفير الجهد وساعات العمل، وعلى المستوى السياحي، حيث السائح الذي تزلّ قدمه يسدد الغرامة ويلحق بطائرته فوراً، وعلى المستوى الإنساني، حيث الإنسان الذي يخطئ، ولا أحد لا يخطئ، يواجه العدالة الناجزة والسريعة ويعود لممارسة حياته، ودائماً وأبداً مع حق المتهم في الاعتراض على أمر النيابة واختيار المحاكمة وفق الإجراءات العادية.