فريق الأمن القومي لإدارة الرئيس دونالد ترامب يقوم إلى حد كبير بدور المفسر والملطف والمساعد للشركاء على قبول واقع أميركا الجديد في عهد ترامب. وأبرز استعراض لهذا حتى الآن كان في مؤتمر ميونيخ الأمني مطلع الأسبوع الجاري. وأنا هنا أقدم لزعماء العالم الذين يلتقون الفريق الأميركي الجديد النصيحة التالية: كونوا مهذبين وطمئنوا شعوبكم، ولتكن لديكم خطة للتكيف مع تخلي الولايات المتحدة عنكم. واجتمع في ميونيخ وفد مميز من القادة الأميركيين الذين يبثون الطمأنينة، مثل مايك بينس نائب الرئيس، وجيم ماتيس وزير الدفاع، وجون كيلي وزير الأمن الداخلي، والأعضاء أصحاب المواقف الراسخة في الكونجرس مثل جون مكين. وقد طالبوا الحلفاء ببذل المزيد، مؤكدين الالتزام الأميركي تجاه «الناتو» وأوروبا والوقوف بقوة في وجه الضغط الروسي. وكان ماتيس مثالياً في جولته العالمية الاستطلاعية لكوريا الجنوبية واليابان المتحالفتين بمعاهدات مع الولايات المتحدة، حيث قام بتطليف المخاوف، وأكد أن كل النزاعات البحرية في المنطقة لن تُحل إلا دبلوماسياً وليس عسكرياً. وطمأن وزير الخارجية ريكس تيلرسون بهدوء الشركاءَ في مجموعة العشرين قبل أن يتوجه إلى المكسيك ليطري الجهود المشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة وعصابات تجارة المخدرات، وكي يذكر للمكسيكيين أن الرئيس ترامب كان يمزح فحسب عند حديثه عن غزو بلادهم! وسيطمئن مايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. أي. إيه.) العراقيين إلى أنهم يستطيعون الحصول على معلومات استخباراتية عن «داعش» رغم حظر ترامب سفر العراقيين إلى الولايات المتحدة. وتؤكد نيكي هالي سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أن شدة ترامب منبعها الحزم ضد ضم روسيا للقرم وغزو أوكرانيا. وبدلاً من أن يكون هذا الفريق أداة لفحص ومراقبة أسوأ نزوات ترامب، فإن يعمل كأداة لتنفيذ ما يريده الرئيس. إنهم يعزفون إلى حد كبير أوركسترا يقودها ستيف بانون، كبير المستشارين الاستراتيجيين لترامب، الذي يعرف تماماً أهمية الأصوات المريحة ذات المصداقية، للثورة التي يريد إحداثها. ودون أصوات العقل والصبر، لن تنجح استراتيجية عدم القدرة على التوقع التي ينتهجها ترامب. وإذا شرع ترامب في تنفيذ الإجراءات المتطرفة التي وعد قاعدته بها، مثل بناء جدار وفرض رسوم جمركية عقابية وغيرها، فهو يحتاج إلى طمأنة الأميركيين وشعوب العالم التي أفزعتها خططه. وإلى ذلك، لا بد من تسيير الأعمال اليومية للدبلوماسية والجيش والأجنحة الأخرى من الحكومة، والشخصيات المحترمة وذات الكفاءة في هذا الصدد، على الأقل في شؤون الأمن الخارجي والقومي. فمن خلال الحفاظ على الأوضاع الطبيعية يمكن للمستبد الصاعد تنفيذ إجراءات الصدمة والترويع مثل فرض الرسوم الجمركية من جانب واحد أو التصدي لسياسة الصين الواحدة أو التشكيك في التزامات الدفاع المتبادل مع «الناتو». وحين تعود الأمور إلى نصابها سيحجب واقع أن بعض الأعراف المهمة في السلوك قد انتهكت. وسنعتاد سريعاً هذا الابتعاد عن الأعراف، وبحلول الوقت الذي نفهم فيه ونقبل مدى تغير الأمور جوهرياً، سيكون قد فات الأوان. وأخيراً، فإن رسل ترامب الصالحين يمكنهم إقناعنا بأن قائمة الأولويات المضطربة لترامب يمكن التعامل معها. وماتيس سيقنع الحلفاء أن الأعراف الجديدة لا بأس بها. ويستطيع تيلرسون أن يؤكد أن إعادة التفاوض في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية لا تريد به الولايات المتحدة حرباً تجارية مكلفة. وتستطيع هالي أن تؤكد أن الولايات المتحدة ستكون شريكاً في القضايا العالمية على الأقل لفترة من الوقت حتى لو «حذرت» أعضاء في الأمم المتحدة مثلما فعلت مع إيران. لكن الوعود من هذه الإدارة لا يمكن الوثوق بها، بل يمكن اختراقها بتغريدة رئاسية واحدة. والحواجز الحمائية ليست مستبعدة. والتدفق الحر للمعلومات والبضائع والخدمات قد تتصدى له الولايات المتحدة بدلاً من الدفاع عنه. والحلفاء قد لا يحصلون على دعم أميركي حال نشوب صراع. وترامب ينصت إلى ستيف بانون الذي تقتضي رؤيته للعالم حرباً يهودية مسيحية ضد الإسلام وسعياً للقضاء على مؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية مثل الناتو والأمم المتحدة واحتمال حرب مع الصين. وهو بالتأكيد يدعم تفكيك الاتحاد الأوروبي، ووزيرا الخارجية والدفاع وأعضاء الكونجرس لا يستطيعون جعل الولايات المتحدة تلتزم بأي عمل في الشؤون الدولية. فهذا يتوقف بشكل لا يمكن توقعه على الرئيس. لذا يتعين على المسؤولين الأجانب أن يشكروا نظراءهم الأميركيين، وأن يخبروا شعوبهم أنه يمكنكم العمل مع الفريق الأميركي الجديد، لكن حين يأتي الاختبار الحقيقي للدفاع عن القيم الغربية، على هؤلاء العمل منفردين كما فعلوا غالباً في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأن ينتظروا حتى تفيق أميركا. فكرام سينج* ـ ـ ـ ــ ـ ـــ *نائب رئيس مركز التقدم الأميركي البحثي لشؤون الأمن القومي والسياسة الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»