حزم الدكتور هيروميتسو ناكاوشي حقائبه وغادر اليابان إلى جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا الأميركية، بسبب منعه من تطوير طريقة جديدة لمعالجة مرضى السكري على نحو جذري ونهائي، لكن المدخل إليها في غاية الخطورة، ألا وهو التلاعب بالخليقة! لكن أين الخطر؟ الخطر هو الدخول على الأجنة في الأرحام واستنبات بانكرياس من رحم خنزيرة! الأداة الأولى والحاسمة في توجيه الخلايا الجذعية (Stem Cell) التي منها تتشكل كل الأنسجة هي في إدارتها لخلق أعضاء بعينها، لكن أين «مفك البراغي» هذا؟ إنه في جين اسمه «بي دي إكس 1». هنا السر. إنهم يسمونها تقنية طباعة الجينوم. وقد قام الدكتور ناكاوشي بتصنيع هذا الجين، ثم دفعه ليدخل في تركيب الكود الوراثي عند جرذ. دفع بعدها خلية التخلق الأولى للجرذ كي تتابع تكاثرها ولتدخل مرحلة المضغة. عندها أتى بخلايا جذعية من فأر، فحقن بها البلاستوما عديدة الخلايا. هنا يأتي «مفك البراغي»، أي الجين المسمى اختصاراً «بي دي إكس 1»، إلى الخلية الجذعية ليتفاهم معها حول خطة التخلق. الخلية الجذعية الواحدة عندها قدرة على أن تكون أي نوع من الخلايا، لكن الجين «بي دي إكس 1» عنده مهمة واحدة هي تشكيل البانكرياس. وتتابع رحلة التخلق طريقها و«بي دي إكس 1» مثل السائق الماهر يقود الخلية الجذعية بالنصح والإرشاد كي لا تضل طريقها عن ما هي مخصصة له، أي البانكرياس. خلال رحلة مرسومة تتفتح الخلية الجذعية فتشكل عضو البانكرياس بالتمام والكمال. وفيها جزر مهمة في تنظيم ضبط كمية السكر في الدم هي جزر لانغرهانس. إنه طبيب كندي كان أول من كشف عن سرها الدفين، أي كونها تفرز الأنسولين الذي يضبط السكر في الدم. أخذ الدكتور ناكاوشي هذه الجزر الثمينة من بانكرياس الجرذ، ثم شفطها بمحقن، وحقن ما حصد في بطن فأر مصاب بالسكري، وانتظر النتيجة، فكانت شفاءً كاملاً. فرح ناكاوشي لنجاح التجربة وقام بتعميمها عبر مقال كتبه في مجلة «ناتيور» العلمية (Nature)، فكافأته كاليفورنيا بإعانة 5,5 مليون دولار ليتابع أبحاثه. لم يمضِ يوم على الإعلان حتى قفز رجل إسباني الأصل من معهد «سولك»، على بعد 700 كم منه، يدعى «خوان كارلوس أزبيزوا بليمونته»، ليعلن ما هو أفظع من الشفاء، حيث ذكر في مجلة «الخلية» العلمية، أنه حقن الخلايا الجذعية من بشر بنفس الطريقة في جنين خنزيرة، لكنه استدرك قائلاً: «تركت التجربة تمضي لأرى هل تتابع طريقها، فلما تأكدت من نجاحها أوقفتها بعد 4 أسابيع، وقد أصبح الجنين بحجم 2 سم». المهم في تجربة بليمونته هي نقل هذه التقنية إلى معالجة البشر كي يتم حذف مرض السكري من قائمة أمراض التاريخ الفتاكة. تجارب بيلمونته وصلت إلى 1500 هجين من مخلوقات شتى، منهم 186 هجيناً تابع رحلة تخلقه بين كائنات شتى. ويطلق الألمان على عملية دمج الخلائق اسم «يوم الخلق السابع»! يقول ناكاوشي الياباني إن الجين الذي أمسكنا بسره جرّبنا أن نحذفه من مضغة فأر، فخرج المسكين من دون بانكرياس، وهنا تيقنا أن مفتاح التحكم أصبح بيدنا». وتابع ناكاوشي: «لقد نجحنا في زرع الغدة الصعترية بين فأر وجرذ، وهناك تجارب مشجعة على استنبات كلية، وأخرى واعدة على الكبد والرئة. ولعلها مسألة وقت فقط في التقنية الثورية الجديدة». أما «بيلمونته» فقد استولد عيناً وقلباً، وهكذا ولدت عيون جرذان في رؤوس فئران!»، ويقول: «ما نجح في الجرذان والفئران، سينجح في الخنزير والإنسان!».