قبل أن يتولّى منصب الرئاسة عام 2013، جاء الدكتور حسن روحاني من العمل طويلاً (13 سنة) في مركز للأبحاث الاستراتيجية، وفي البرلمان عمل رئيساً للجنة العلاقات الخارجية. وقتها نُقل عنه (نفوره) العام من العرب، و(شعوره) الخاص تجاه شعوب الضفة الأخرى من الخليج العربي.. شعور وصف بأنه كان (فوّاحاً) برائحة تُدرجه في دائرة التمييز. أهم ما نُقل عنه، أنه ينظر إلى منطقة الخليج العربية نظرة (المركز) الاستعلائية إلى (الفرع). ومن الطبيعي أن تراود صاحب نظرة توسعية كهذه، فكرة (ضم) المنطقة إلى (إمبراطورية) فارس المنتظرة، أي مشكلة في إلحاق الجزء بالكل؟! ما دامت الفكرة ليست جديدة في التاريخ السياسي المعاصر للإقليم. إن فكرة (بسماركيّة) ألمانية كهذه لا شك أنها رسمت لذوي القومية المشتعلة (هايبر ناشيوناليزم) في إيران، أحلاماً سارةً. تصريحات الدكتور حسن روحاني القديمة، والتي همس بها إلى زائرين رسميين أكثر من مرة، يمكن تجاوزها، ففي السياسة نحن أبناء اليوم لا الأمس، والرجل محسوب على الإصلاحيين، و(الإصلاح) صفة غالباً ما يتجاوز حاملها الحاضر ويبتغي المستقبل، ويقتضي روحاً منفتحةً وفكراً مستنيراً. على الرغم من أن تلك التصريحات كفيلة بجعل أي مراقب سياسي يشعر بالذعر، كونه يشعر أنه على مقربة من قنبلة موقوته قد تنفجر في أي وقت، إلاّ أن في المقلب الآخر من العلاقة بين الطرفين، تطيّر إيران على نحو دؤوب وحتى الساعة، رسائل (طمأنينة وسلام) تجاه شعوب وبلدان المنطقة، لكنها تفعل ذلك بعد كل مناورة عسكرية بريّة، وبعد كل مناورة بحريّة. مما يفرغ تلك الرسائل من أي معنى، ويكسبها غموضاً أشبه ما يكون بالحصوة في الحذاء، مزعجة وتستعصي على التفسير.. إيران غالباً ما تهوى الغموض والالتباس، لتصيب اللاعب الآخر على رقعة الشطرنج، بالحيرة وفقدان القدرة على التنبؤ (بالنقلة الجديدة) لتنتهي بها اللعبة وتنتصر. في زيارته الأسبوع الماضي إلى دولة الكويت وسلطنة عُمان، على خلفية رسالة (بالمقترحات الخليجية) لتجليس العلاقة بين ضفتي الخليج. قامت الكويت بتسليمها إلى حكومة طهران. وقبل مغادرته المطار باتجاه المنطقة، أدلى الرئيس حسن روحاني بتصريحات صحفية، غلب عليها الإيجاب، غذى بها الأمل بأن الحوار بين ضفّتي الخليج ليس (صعباً)، وأن هنالك (مشتركات) بين دول التعاون وجمهورية إيران، يمكن العمل على تنميتها وتطويرها، وفي الوقت ذاته، ألمح إلى إمكانية ترك الأمور المُختلف عليها، إلى وقت تنضج فيه المعطيات على أرض الواقع. وجهة النظر التي وصلت المراقبين السياسيين، عرباً وغير عرب، لاقت ترحيباً حذراً في أغلب الصحف العربية وبعض الأجنبية. لكن كالعادة، لم يغادر الغموض تصريحات روحاني. لا تفاصيل واضحة تضمنتها تلك التصريحات يمكن مناقشتها أو التعليق عليها، بل كانت هنالك نسبة من خيبة الأمل بجوار الإيجابية في التصريحات، تمثلت في قول روحاني (نحن في دول الخليج الفارسي..). وهذه الجملة أسقطتها العديد من الصحف في المنطقة العربية، باستثناء جريدة (الحياة) الدوليّة، وكذلك بعض الصحف الأجنبية. نسأل هنا الرئيس: هل كان من الضروري تسمية الخليج (بالفارسي) وأنت قادم إلى المنطقة العربية، لتأسيس حوار وتجليس علاقة، من المأمول أن تصبح استراتيجية؟! لا يُعتقد أن الحظ كان حليفاً في تلك التصريحات، والتي على ما فيها، يبقى الانتظار واجباً لمعرفة المزيد.