دعونا نتحدث عن التقارير المبالغ فيها التي تفيد بأن إدارة ترامب أصبحت مشلولة بالفعل. فقد عرض المعلق السياسي الكندي «جي جي ماكولو» في صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأربعاء الماضي رؤيته لاجتماع رئيس الوزراء الكندي «جاستن ترودو» مع الرئيس دونالد ترامب في يوم الاثنين، وقال عن ذلك: «لقد رأت وسائل الإعلام الأميركية قمة ترامب- ترودو باعتبارها فاشلة. أما الصحافة الكندية فقد أعربت عن إعجابها بها». وهذا التباين في الآراء يوضح تماماً عواقب جنون وسائل الإعلام الذي تشهده واشنطن الآن. واعتبر «ماكولو» أن وسائل الإعلام الأميركية اعتبرت المؤتمر الصحفي كارثة «لأنه كان هادئاً جداً في سياق النقاش. غير أن صحفيي واشنطن المرموقين كانوا يريدون من رئيسهم أن يتحدث عن (مايك) فلين». وكما يشير، فإن الصحفيين الذين طرحوا أسئلة حول كندا في هذا المؤتمر الصحفي «أدينوا لإضاعتهم الوقت»! إن وسائل الإعلام لا تريد سوى توليد قصص متكلفة ومنمّقة عن موت إدارة ترامب ودمار الولايات المتحدة. وهي بذلك تستبق الأحداث، لأن هذه القصص المتشائمة سابقة لأوانها الآن. وعلى سبيل المثال، كتب توماس فريدمان من صحيفة «نيويورك تايمز» ما يلي: «لقد تعرضنا للهجوم يوم 7 ديسمبر 1941، ويوم 11 سبتمبر 2001، ويوم 8 نوفمبر 2016». حقاً؟؟ هل يعتقد فريدمان أن انتخاب ترامب موقف يرقى إلى مستوى «بيرل هاربر» أو 11 سبتمبر؟ إن فريدمان لا يقول حتى إن رئاسة ترامب، كما سيتكشّف على مدى أربع- أو ثماني- سنوات، يمكن أن تكون أقرب إلى هجوم على الولايات المتحدة، إنه يعتقد أن الحقيقة الخالصة بأن ترامب فاز في الانتخابات هي، أساساً، عمل من أعمال الحرب! وحتى صحيفة «واشنطن بوست» تغذت، هي أيضاً، على قصة أن إدارة ترامب لا تتصرف على نحو لائق، ويتبين ذلك من عناوين من بينها «رحيل فلين يتحول إلى أزمة كبيرة للبيت الأبيض برئاسة ترامب» و«قصة ’تزيد من قتامة سحابة‘ روسيا التي تخيم على إدارة ترامب» و«الرئيس يضع الأساس لبرنامج ترويع على مستوى البلاد» و«دونالد ترامب أصبح فجأة مثلا استبداديا ضعيفا جداً». هل يمكننا التوقف للحظة؟ لقد تولى ترامب الرئاسة قبل أقل من شهر، ومع ذلك فإن الديمقراطيين وحلفاءهم في وسائل الإعلام يولولون بالفعل زاعمين أن حصيلته فشل ذريع! إنني لست ترامب، ولكن حتى الآن، فإن الرئيس لم يصغ سوى أمر تنفيذي واحد، وارتكب خطأ واحداً أو خطأين شخصيين، وأجج النيران مع بعض العروض الخرقاء في وسائل الإعلام، بيد أن كل هذا أيضاً ليس أمراً غير مألوف. دعونا لا ننخرط أكثر من اللازم في مزاعم مفادها أن الجمهوريين في الكونجرس يعترفون بالفشل في كل شيء بدءاً من الإصلاحات الضريبية وحتى إلغاء أو استبدال «أوباماكير». ومرة أخرى، فهذه مجرد بداية. إن برنامج «أوباماكير» لم يتم توقيعه ليصبح قانونًا حتى أكثر من عام من تولي باراك أوباما منصبه. وعدم إلغاء «أوباماكير» لا يشكل أيضاً فشلاً ذريعاً. ومن ناحية أخرى، فإن ترامب قد عقد لتوه مؤتمراً صحفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. وبطبيعة الحال، فإن ممثلي وسائل الإعلام اشطاطوا غضباً بشأن حقيقة أن المؤتمر الصحفي التزم بمناقشة القضايا المطروحة، ولم تكن أمامهم فرصة للإلحاح على ترامب بشأن ما يريدون الحديث عنه -مثل روسيا و«فلين».. إلخ. ولذا، فإن ترامب لم يرد على أسئلة لا نهاية لها بشأن استقالة «فلين». حسناً، ربما كان هذا بسبب أنه ليس مستعداً، ولذا فقد أراد أن يتحدث بشأن هذا الموضوع في الوقت والمكان اللذين يختارهما. وربما كانت هناك أيضاً استراتيجية إعلامية صغيرة بدأت في الظهور من البيت الأبيض برئاسة ترامب. وربما كان هذا سبباً آخر لذعر وسائل الإعلام. ------------- إد روجرز* *كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»