دون شك سلطت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الهند الضوء على العلاقات المتميزة بين دولة الإمارات والهند، خاصة فيما يتعلق بالتعاون في مجال الموارد البشرية الذي توليه الإمارات اهتماماً خاصاً.. ومنذ بداية سبعينات القرن العشرين وجهت الهند اهتماماً كبيراً للإمارات، وكان ذلك واضحاً في قرارها إرسال بعثة دبلوماسية مستقلة يرأسها سفير، وفي التبادل المستمر للوفود الرسمية رفيعة المستوى، ومن النشاطات الاقتصادية والتجارية المكثفة والمشاريع واللجان المشتركة وتزايد أعداد العمالة الهندية في الدولة. وتعود أهمية دولة الإمارات في السياسة الخارجية الهندية إلى مجموعة بارزة من المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية التي تسعى السياسة الخارجية لأي قطر تحقيقها وتعزيزها وحمايتها، ويقع في صلب هذه المنظومة المصالح الاقتصادية المرتبطة بتصدير الموارد البشرية إلى الدولة. والواقع أنه توجد جوانب إيجابية لوجود العمالة الهندية الوافدة للبلاد، وهي ذات شقين: الأول يخص الهند كدولة مصدرة، فهي وسيلة للتخلص من قدر من الضغط السكاني ومن البطالة ذات المعدلات المرتفعة نتيجة لكبر حجم الكثافة السكانية، في نفس الوقت الذي تستفيد فيه اقتصادياً ومالياً من تحويلات النقد الأجنبي الشهرية التي يرسلها مواطنوها العاملون في الإمارات. أما الشق الثاني فيتعلق باستفادة الإمارات من الموارد البشرية الهندية من زاوية الحصول على أيدي عاملة بأسعار تنافسية، ومن مستوى التعليم والخبرة التي تتمتع بها العديد من قطاعات الموارد البشرية في مجالات الإدارة والتجارة والطب والخدمات الصحية وعلوم الحاسب الآلي، بالإضافة إلى الأعمال المهنية البسيطة الأخرى. من المفترض أن يُشكل استيراد الموارد البشرية من هذا النوع خلاصة ما هو موجود لدى الهند دون القيام بالاستثمار المباشر فيها محلياً، أو بذل الجهد في تربية وتنشئة وتعليم هذه الموارد المستقطبة. والهدف من إيراد الفكرة السابقة هو الإشارة إلى أنه كان من الصعب إحداث عملية النمو العمراني والاقتصادي السريع، بالإضافة إلى العديد من جوانب الرعاية الصحية وأداء الأعمال التقنية والمهنية البسيطة والخدمية الأخرى دون الاستعانة بالموارد البشرية الهندية والسماح لها بالقدوم إلى الدولة وفقاً لضوابط قانونية وإدارية محددة عادت بفوائد كثيرة على عملية التنمية الشاملة المستدامة في دولة الإمارات. ومن الواضح بعد مرور نحو خمسين عاماً أو نيف بأن جوانب عدة من عمليات الإنشاء والتعمير والخدمات المساندة الأخرى لازالت في حاجة إلى هذه الخبرات الهندية، خاصة إذا ما استمرت التنمية والنمو الاقتصادي والاجتماعي في البلاد بمعدلاتها الحالية أو شهدت تصاعداً ملحوظاً في الآتي من الأيام. وبالإضافة إلى ذلك هناك جانب مهم لوجود العمالة الوافدة بشكل عام من جميع أقطار العالم من ناحية الدور الذي يلعبه وهو مهم في تحريك الاقتصاد المحلي، فإلى جانب احتياجاتها العادية في مسكن وغذاء وتعليم للأبناء وعلاج إلى غير ذلك من المستلزمات الأساسية، يسهم وجودها في تحريك السوق المحلي من خلال تصديرها للعديد من البضائع والسلع التي تدخل في التجارة العابرة (الترانزيت) والجالية الهندية في الإمارات، ربما تقوم بنصيب الأسد في هذا المجال مقارنة بالجاليات الوافدة الأخرى. دولة الإمارات والهند تتعاونان في مجال الموارد البشرية منذ فترة طويلة، زادت وتيرتها منذ بداية سبعينات القرن العشرين وقيام الدولة الاتحادية وارتفاع معدلات نمو التنمية والتعمير بسرعات فاقت التصور. حقيقة أنه بعد إعلان قيام الدولة في 2 ديسمبر 1971 زاد الاعتماد على الموارد البشرية الهندية بكافة أنواعها وتصنيفاتها سواء أكانت عالية التدريب والكفاءة أم العكس. لقد كان لوجود العمالة الهندية ولايزال جوانب بناءة حيث شكلت أحد أهم مصادر مخزون الموارد والطاقة البشرية التي أسهمت في تحقيق عمليات التنمية والنهضة التي تشهدها البلاد. إن هذا الجانب البناء لوجود مثل هذه العمالة يجب أن يتم البناء عليه وإيلاؤه اهتماماً أكبر من حيث الكيف أولاً، ثم من حيث التشريعات القانونية والضوابط الإدارية التي تحكم مصالح كلا الطرفين، العامل ورب العمل، يجعل تلك العمالة مصدراً للاستفادة الحقيقية لدولة الإمارات والهند، وتحقيق ذلك يعد أمراً حضارياً وإنسانياً عوائده وفوائده ستنعكس على إنجاز أكبر قدر من المصالح للجميع. د.عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي