منذ فوز دونالد ترامب، يكثر المحللون والسياسيون، الإسرائيليون والغربيون، من الحديث عن الموقف المستقبلي للولايات المتحدة حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: هل سيكون موقفاً محايداً؟ وهل سيتم نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة؟ وهل ستعطي واشنطن الضوء الأخضر لبناء المستوطنات؟ وهل يمكن إدارة الظهر لإسرائيل؟ وهل ستعلن نهاية «حل الدولتين»؟ وغير ذلك من الأسئلة. ترامب شخصية متقلبة، وهو يدير الأمور بعقلية «رجل الأعمال» الطامح للإنجاز. ومن الممكن، بين عشية وضحاها، أن يغير سياسته. وقد أثبت مؤخراً أن السلوك المتباهي الذي رافق حملته الانتخابية هو طبع أصيل لديه، مؤكداً قيامه بأمور وإعلانه عن مواقف غير متوقعة. وفي هذا السياق، هناك ثلاثة سيناريوهات عن الكيفية المحتملة لتعامل إدارة ترامب مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: أولها الحفاظ على الأمر الواقع، أي سياسة «إدارة الأزمة» التي تصب في صالح الدولة الصهيونية، وهي سياسة دأب على اتباعها الرؤساء الأميركيون منذ عقود طويلة، مع درجات في التشدد واللين هنا أو هناك. وهذا ليس بالسيناريو المرجح. السيناريو الثاني هو التأييد التام للدولة الصهيونية. فبيان البيت الأبيض الذي أدان إقرار إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية والقدس، جاء بلغة رقيقة بعيدة عن الشجب. فقد شدد البيان على أن البناء يجب أن يكون حصرياً «في حدود المستوطنات القائمة»، وأن المستوطنات نفسها ليست عائقاً للسلام، لكن إقامة مستوطنات جديدة وتوسيع تلك القائمة إلى ما يتجاوز حدودها الحالية، «قد لا يكون أمراً مجدياً في تحقيق الهدف المنشود، وهو السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين». وهذا «تطوير» في الموقف ينحاز أكثر باتجاه «تمرير» سياسة تذهب إلى أبعد من سياسة الرئيس الأميركي (جورج بوش الابن) التي عارضت إقامة «مستوطنات» جديدة ووافقت على البناء فقط في الكتل القائمة. وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور الإسرائيلي المختص بالقانون الدولي، «يوجين كنتروفتش»، إن الحديث يدور عن «تغيير كبير في السياسة»، الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة «توافق على البناء في المستوطنات القائمة بما فيها المستوطنات الصغيرة». ويضيف كنتروفتش: «في الوقت الذي تحاول فيه وسائل الإعلام تصوير الإعلان على أنه تقييد للبناء، يدور الحديث عن ضوء أخضر، كبير وتاريخي». ومن جهته وفي مقال مهلل لموقف ترامب، كتب «درور إيدار» يقول: ‏?»?يمكن ?تسجيل ?اسم ?دونالد ?ترامب ?بحروف ?من ?ذهب ?في ?تاريخ ?شعبنا ?كمن ?ساعد ?في ?عودة ?صهيون. ?ومع ?ذلك فإن ?مستقبل ?الاستيطان ?لا ?يرتبط ?بالولايات ?المتحدة ?أو ?بالعالم، ?بل ?هو ?يرتبط ?بنا ?فقط، ?بتصميمنا ?وتمسكنا ?بالأرض ?وتقوية ?الوعي ?حول ?حقنا ?الطبيعي ?في ?بلادنا». ?وما ?هذا، ?أيضاً، ?بالسيناريو ?الأكثر ?احتمالية. أما السيناريو الثالث، وهو المرجح على الأغلب، فهو الذي يكفل تأييداً أعمق من الإدارة الأميركية الجديدة للدولة الصهيونية، ولكن ليس في كل ما تريده الأخيرة، مع بعض الضغط المحدود من أجل التقدم نحو حل ما. ويرسخ هذا السيناريو تجاهل ترامب حتى اللحظة مسألة «حل الدولتين»، بل قوله أخيراً إن هذا الحل قد لا يكون ضرورياً، مخالفاً الرؤساء الأميركيين السابقين الذين طالما دعوا، ولو إعلامياً فقط، لهذا الحل باعتباره الأمثل لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويبدو، حتى الآن أن ترامب يميل إلى تسوية من نوع آخر، تقوم على أساس فكرة «الحكم الذاتي الفلسطيني الموسع»، أي أنه يدعم حل الصراع بالمفهوم الإسرائيلي، ربما مع عوامل تجميل تأخذ اسم «دولة» (أو حتى اسم إمبراطورية) وفق التعبير الساخر لأريل شارون! وفي نطاق هذا السيناريو، ثمة تنويعاً في الاستنتاجات الإسرائيلية المتقاربة. فقد كتب «سيفر بلوتسكر» يقول: «مع الرئيس ترامب، يجب أن نكون جاهزين لانعطافة حادة في نهج البيت الأبيض تجاه المستوطنات. والاستنتاج الناشئ، الجلي لعين الجميع: ترامب يعطي حكومة إسرائيل ضوءاً أخضر للبناء كما تشاء في المستوطنات في المناطق، على ألا يخرج البناء عن نطاق حدودها، الحدود التي رسمتها إسرائيل نفسها. وحتى لو خرجت، فلا بأس، فقد أوضح البيان أيضاً بأن ترامب لم يبلور بعد موقفه النهائي في المسألة، وينتظر لقاء نتنياهو. إن لم تكن هذه انعطافة فما هي الانعطافة». غير أن مقالاً أكثر حذراً، بعنوان «تحذير لإسرائيل»، يقول «براك ربيد» مستخلصاً: «الموضوع تمت صياغته بقفازات حرير، بدبلوماسية وأدب، لكن السطر الأخير كان واضحاً، بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة فإن حكومة إسرائيل توجد تحت التحذير. إعلان البيت الأبيض يبين أنه حتى لو حدث تغيير بالمقارنة مع سياسة أوباما، فإنه ليس دراماتيكياً في هذه المرحلة. ترامب يعود عملياً إلى سياسة بوش الابن فيما يتعلق بالمستوطنات. أي أن الهدف الرئيس له هو اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني على أساس حل الدولتين. وحسب الإعلان فإن البناء في المستوطنات لا يخدم تحقيق هذا الهدف». ورغم ما أكدته قمة ترامب ونتنياهو من تقارب في الأفكار والمواقف، فلا أحد يستطيع بدقة تحديد سياسة ترامب المستقبلية والفعلية تجاه إسرائيل، رغم أن تصريحاته وبعض تعييناته اعتبرها اليمين الإسرائيلي بشرى بعد معاناة من سياسة سابقه (باراك أوباما). ومن المتوقع أن ما سيكون لم يسبق أن كان. فلأول مرة، منذ وقت طويل، يعلن البيت الأبيض عن موقف من «المستوطنات» ومن «حل الدولتين» يقترب من الطرح الإسرائيلي اليميني المتطرف الذي يتجاوز، لمصلحة إسرائيل، الطرح الأميركي في عهد بوش الابن، ناهيك عن تجاوز «حل الدولتين» كما أيدته إدارة أوباما، فعلى الرغم من تصريحات ترامب ونتنياهو الأخيرة التي تتحدث عن حلول «واقعية» و«مسؤولة»، فإنهما يقولان «نعم للحكم الذاتي الموسع»، رافضين لموقف أقصى اليمين الإسرائيلي الداعي إلى ضم الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس، ضماً كاملاً وناجزاً!