أصيبت السلطة الفلسطينية بالصدمة فور اعتراض السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة «نيكي هايلي» على تعيين سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني السابق في منصب رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. تصورت السلطة أن هذا الاعتراض الأميركي صادر عن موقف عداء مبدئي من إدارة ترامب للفلسطينيين في الوقت الذي تصور فيه بعض المراقبين أن هذه الإدارة تمارس ضغطاً على الأمين العام للأمم المتحدة بهدف قبول تعيين شخصية إسرائيلية بالتوازي في منصب وكيل الأمين العام. لقد دفع تصور السلطة متحدثاً فلسطينياً إلى اعتبار هذا الموقف الأميركي تمييزاً على أساس الانتماء الوطني. والحقيقة أنه لا يمكن أن نستغرب هذا التصور لدى الفلسطينيين فور صدور الاعتراض، فقد جاءت كلمة السفيرة الأميركية محملة بشحنة معان تبرر هذا التصور. قالت السفيرة في بيان بعد أن أبلغت رئاسة مجلس الأمن رفضها للتعيين: «لقد أصيبت الولايات المتحدة بخيبة الأمل بسبب ترشيح رئيس الوزراء السابق بالسلطة الفلسطينية لهذا المنصب، والولايات المتحدة ترفض الرسالة التي كان هذا التعيين منطوياً عليها داخل الأمم المتحدة». إن معنى الفقرة السابقة قد أكد للسلطة أن الاعتراض نابع من كون فياض مسؤولاً فلسطينياً سابقاً، وهو إيحاء تعزز بما أضافته السفيرة عندما قالت إن الولايات المتحدة لا تعترف حالياً بدولة فلسطين وإن الأمم المتحدة كانت منحازة للسلطة الفلسطينية لفترة طويلة بشكل غير منصف على حساب حلفائنا الإسرائيليين. لقد جاء تعليق المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة ليعمق تصور السلطة الفلسطينية، فقد قال إن عهداً جديداً بدأ في الأمم المتحدة تقف فيه الإدارة الأميركية بحزم وراء إسرائيل. وفي اليوم التالي انقشع الضباب نسبياً حول الموضوع بما أقنع المراقبين أن هناك صفقة تتبلور، وذلك عندما أوضح نتنياهو في جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي أن الموقف الأميركي جاء بطلب إسرائيلي وأنه لا بد أن تنظر الأمم المتحدة في تعيين شخصيات إسرائيلية بمراكز مرموقة في صفوفها. لم يمض وقت طويل حتى بدأت الصحف الإسرائيلية تضيف تفاصيل منها أن الاعتراض الأميركي جاء نتيجة طلب من البليونير الأميركي «شيلدون أديلسون» في لقاء مع ترامب. ومن التفاصيل الأخرى التي كشفتها الصحف الإسرائيلية أن تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية السابقة والشخصية الثانية في تحالف المعسكر الصهيوني المعارض لنتنياهو، كانت قد سافرت إلى نيويورك والتقت الأمين العام للأمم المتحدة، وقد سبق لها أن حاولت الحصول على منصب في المنظمة الدولية أيام الأمين العام السابق بان كيمون، لكنها لم توفق. بناءً على هذه التفاصيل رجح مراقبون أن ليفني حاولت الحصول على منصب في المنظمة الدولية، لكن إسرائيل فوجئت بدلاً من ترشيحها بترشيح فياض، فتم تفعيل سلسلة طلبات وضغوط إسرائيلية على إدارة ترامب للاعتراض على فياض لإجبار الأمين العام للأمم المتحدة على ترشيح ليفني مقابل سحب الاعتراض الأميركي. اللمسة الأخيرة في الموضوع أن الأمين العام للأمم المتحدة أعلن تراجعه عن تعيين فياض بسبب الاعتراض الأميركي. هكذا نجد أنفسنا أمام ثلاثة احتمالات، الأول هو الذي تصورته السلطة، والثاني أن يكون الأمين العام قد فضل عدم تعيين فياض ليتجنب تعيين ليفني، والثالث أن يكون منطق الإحلال هو الغالب، وذلك باستبعاد فياض تمهيداً للإعلان عن تعيين ليفني في المنظمة الدولية. طبعاً سنعرف أي الاحتمالات أقرب للحقيقة خلال فترة لن تطول. غير أنه لا بد من القول إن تجربة الضغط الإسرائيلي في هذه المسألة على إدارة ترامب والأمين العام للأمم المتحدة قد نجحت. وإذا كانت هذه مسألة فرعية فإن إسرائيل ستجرب أسلوب الضغط في مجالات أخرى أهم، مثل مجال إلزام السلطة بقبول المفاوضات رغم التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، غير أنني أتوقع أن يؤدي الضغط العربي المضاد على إدارة ترامب في المسائل الجوهرية إلى نهج أميركي متوازن يسعى لحل الدولتين رغم الرفض الإسرائيلي.