أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً سلسلة من الأوامر التنفيذية التي زعزعت الكوكب نوعاً ما. قرارات ستكون لبعضها، من دون شك، عواقب لا يستهان بها، لا سيما على الصعيد الدولي، فبدايةً أعلن ترامب عن الشروع في بناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك -جدار موجود جزئياً منذ مدة في الواقع– قبل أن يعمد إلى توقيع أمر تنفيذي يحظر دخول مواطني سبعة بلدان (مسلمة أو ذات أغلبية مسلمة) إلى الولايات المتحدة لفترة ثلاثة أشهر، وهو أمر علِّق لاحقاً من قبل القضاء الأميركي. وقد برر ترامب الحظر بدواعي حماية المصالح الأميركية في إطار جهود محاربة الإرهاب، والحال أن الهجمات الإرهابية التي ارتُكبت في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة كانت من تنفيذ أفراد وُلدوا على التراب الأميركي، ويحملون في أحيان كثيرة الجنسية الأميركية. ثم إن هذا القرار اعتُبر إهانة لكل البلدان المسلمة. ونتيجة لذلك فإن العلاقات، المعقدة أصلاً، بين هذه البلدان والولايات المتحدة يمكن أن تزداد تدهوراً. وعلاوة على أن مثل هذه التدابير ستؤدي إلى زيادة الكراهية تجاه الولايات المتحدة، فإنه من غير المؤكد أنها ستؤدي إلى تعزيز أمن البلاد. غير أن هذه الإعلانات ليست مفاجئة البتة في الحقيقة: ذلك أن ترامب لا يقوم سوى بتطبيق البرنامج الذي انتُخب من أجله. وينبغي النظر إلى الأمر على هذا النحو. فترامب هو رئيس الولايات المتحدة، مهما كان رأينا في برنامجه أو شخصيته. غير أن بعض الأميركيين اعتبروا استهداف المسلمين، أو رفض استقبال أشخاص فارين من الحرب على التراب الأميركي، أمراً غير أخلاقي، غير أنه علاوة على الجانب الأخلاقي، فإن السؤال الذي ينبغي طرحه هو: هل ستساهم هذه القرارات في جعل أميركا عظيمة من جديد، مثلما وعد ترامب؟ في أميركا اللاتينية، يُنظر إلى مواقف ترامب باعتبارها صفعة لكل بلدان المنطقة. فعلى المستوى البشري والتجاري، ستواجه المكسيك صعوبات جمة، ذلك أن أكثر من 80% من صادراتها تذهب إلى السوق الأميركية، وبالتالي فإذا ما قامت الولايات المتحدة بفرض رسوم على الصادرات المكسيكية أو التضييق على وصولها إلى أسواقها، فإن المكسيكيين سيعانون وسيصبحون أكثر عرضة للبطالة وللفقر. ونتيجة لذلك فإن الأشخاص الذين سيرغبون في عبور الحدود الأميركية المكسيكية سيكونون أكثر عدداً، لأن بناء الجدار سيستغرق وقتاً، غير أن المفارقة هي أن إعلان ترامب يمكن أن يؤدي، في مرحلة أولى، إلى زيادة في تدفق المهاجرين الاقتصاديين المكسيكيين أو الأميركيين اللاتينيين، اعتقاداً منهم بأنه ينبغي التعجيل بعبور الحدود الآن قبل اكتمال بناء الجدار، وفضلاً عن ذلك، فإن مشاعر معاداة الولايات المتحدة، التي انخفضت في بلدان أميركا اللاتينية بعد ولايتي باراك أوباما، ستعاود الصعود من دون شك. غير أنه علاوة على تأثيرات إعلانات ترامب والإجراءات التي أقدم عليها، فإن أسلوبه يفاجئ ويتميز بطابع مهين للبلدان الأخرى لأنه يقوم على المحادثات الأحادية، وفرض القرارات، ورفض النقاش، كما أنه يتصرف بسرعة وقوة، ويعلن عن قراراته بطريقة مسرحية، ولا يحمّل نفسه عناء التفاوض، ولا إبلاغ الدول الأخرى بشأن مراسيمه الرئاسية، ولأنه حذّر من وسائل الإعلام التقليدية، فإنه يؤثر التواصل عبر حسابه على تويتر. والحال أن قراراته يمكن أن تكون لها تداعيات اقتصادية أيضاً، فزيادة الرسوم الجمركية على الواردات قد تؤدي إلى تضخم الاقتصاد الأميركي، فالمنتجات وقطع الغيار، وخاصة تلك التي تستوردها شركات التكنولوجيا الكبرى في منطقة «وادي السيليكون» من الخارج، ستصبح أكثر غلاءً. وهذه الكلفة من شأنها إضعاف القوة التنافسية للمنتجات الأميركية في الأسواق الدولية. وفضلاً عن ذلك، فإن الولايات المتحدة ستصبح مفتقرة للأدمغة، ولعله من المفيد التذكير هنا بأن والد ستيف جوبز كان من أصل سوري، فالشركات الأميركية تحتاج إلى الهجرة، سواء على الصعيد البشري أو المادي، وإضافة إلى ذلك، فإن عدد الطلبة الذين يأتون إلى الولايات المتحدة من أجل الدراسة في جامعاتها سيتقلص. والحال أن معظمهم يعودون إلى بلدانهم بعد تخرجهم حاملين معهم صورة إيجابية عن البلد، ويمكن أن يكون لهم تأثير إيجابي في بلدانهم يخدم المصالح الأميركية. وبالطبع فإن ترامب يسعى لإرضاء ناخبيه، لذلك يفترض أن لا أحد يلومه على ذلك. ومعنى هذا أن الانتقادات الدولية يمكن أن تقوّي قناعاته وقناعات أنصاره بهذه المواقف والسياسات، إلا أنه من غير المؤكد أن يؤدي ذلك إلى خدمة المصالح الأميركية على المدى الطويل وتعزيز عظمة الولايات المتحدة، ثم إنه إذا كانت قراراته لافتة ومثيرة، فإنها ليست فعالة، وهنا أيضاً لا نتحدث عن الصعيد الأخلاقي، وإنما عن صعيد الوقائع، ذلك أن هذه الأخيرة تلحق بالوعود دائماً. ولذلك فإن ترامب سيصطدم بجدار الوقائع خلال المقبل من الأشهر على الأرجح.