خلال جلسات تثبيته بمجلس الشيوخ، أشار وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى كل من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة باعتبارها أولويات بالنسبة له، بالنظر إلى التهديدات التي تطرحها على المصالح الأميركية. وقال إن «دعم حقوق الإنسان في سياستنا الخارجية يمثل عنصراً رئيسياً من جهودنا لتوضيح ما ترمز إليه أميركا بالنسبة للعالم الذي يراقب تحركاتها». ولئن لم يربط تيلرسون بشكل واضح بين تلك القناعة العامة وتصريحه حول هذه البلدان التي سيعطيها الأولوية، فإن كلماته قد قدمت بعض الإضاءات الواعدة والمطمئنة. كما أن إعادة حقوق الإنسان إلى واجهة الأجندة الدبلوماسية الأميركية تمثل أيضاً فرصة نادرة لاستعادة زمام المبادرة والامتياز الاستراتيجي. إن إحدى التركات المؤسفة لعهد أوباما هي الإهمال النسبي لحقوق الإنسان ومسألة تحفيز الديمقراطية في السياسة الخارجية الأميركية. ذلك أن فريق أوباما، الذي وصل إلى السلطة برفض إيديولوجي جاهز ومسبق لأي شيء له علاقة بإدارة بوش، عمد بشكل واضح إلى تهميش حقوق الإنسان ضمن جهوده الرامية لبدء صفحة جديدة في العلاقات الثنائية مع روسيا، وشراكة اقتصادية مع الصين، وتقارب مع إيران، و«صبر استراتيجي» مع كوريا الشمالية. وبغض النظر عن الإخفاقات النسبية لتلك السياسات، فإن التخلي عن حقوق الإنسان مثّل فرصة ضائعة، وخاصة في وقت كان فيه الإصلاحيون والمعارضون في تلك البلدان يلتمسون من الإدارة الأميركية الدعم الذي كان يصلهم قليلًا جداً، أو متأخراً جداً، أو لا يصل أبداً. والحق أن الوزير تيلرسون يواجه كماً هائلًا من التحديات الدولية والاحتياجات الإدارية الملحة مثل تعيين نائب له ووكيل وزارة ومساعدين. وبينما ينصب تفكيره على التحديات الكبيرة التي تطرحها الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، فإن وضع حقوق الإنسان جانباً باعتباره موضوعاً يصرف الانتباه عن المواضيع ذات الأولوية، من قبيل الانتشار النووي، والنزاعات الترابية، والخلافات الاقتصادية، قد يكون مغرياً جداً. غير أن هذا سيمثل أمراً غير ملائم. إذ فضلًا عن الأبعاد الأخلاقية التي ينطوي عليها دعم حقوق الإنسان، فإن القيام بذلك الآن يجلب للولايات المتحدة منافع استراتيجية معتبرة، ومن ذلك أن إعادة حقوق الإنسان إلى الواجهة ستساعد واشنطن على استعادة زمام المبادرة الدبلوماسية، ولاسيما في الوقت الحالي حيث تسيطر بيونج يانج وموسكو وبكين وطهران جميعها على أجندات علاقاتها الثنائية المضطربة مع واشنطن، في وقت تواصل فيه الضغط دفاعاً عن مصالحها وإرغام الولايات المتحدة على الاستجابة. ويتعين على تيلرسون أولًا تقوية موقف أميركا الدبلوماسي واكتساب قوة تفاوضية قبل معالجة الملفات الشائكة المطروحة الآن مع كل من روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية. والواقع أن إدراج قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية ضمن الأجندة سيمنح الولايات المتحدة امتيازاً كبيراً، وذلك على اعتبار أن بعض تلك الأنظمة تخشى شعوبها وتسخّر موارد مهمة للحفاظ على سيطرتها. ولاشك أن جهوداً أميركية لإبراز هذا القمع ودعم نشطاء الحرية ستشكل ضغطاً داخلياً وخارجياً قوياً على تلك الحكومات، كما ستعزز موقف أميركا على طاولة المفاوضات معها أيضاً. صحيح أن صياغة سياسة ناجحة وفعالة في حقوق الإنسان ليست أمراً سهلًا، ولكن الولايات المتحدة ما زالت في حوزتها علبة أدوات كبيرة يمكن أن يستخدمها تيلرسون. وتشمل قائمة التدابير الفعالة التي يمكن أن يستعملها: الالتقاء مع معارضين، وإعلان انتهاكات حقوق الإنسان في الخطابات وجهود الدبلوماسية العامة، وزيادة التمويل لنشطاء الحرية، وتقديم دعم علني للوصول إلى حرية المعلومات، وتنظيم دورات تدريبية لفائدة الإصلاحيين الديمقراطيين، ومتابعة التحرك في المحافل والمنتديات متعددة الأطراف، وفرض العقوبات الاقتصادية الجراحية. والواقع أنه ما على تيلرسون إلا أن يؤشر على دعمه لسياسة حقوق الإنسان حتى تتدفق عليه الأفكار والمقترحات المبتكرة بخصوص السياسات من المنظمات غير الحكومية، والمتخصصين، وفريق «مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمالة» في وزارة الخارجية الأميركية. ثم إن جعل الترويج للحرية أولوية من أولويات الدبلوماسية الأميركية من جديد من شأنه أيضاً المساعدة على إصلاح بعض تحالفات أميركا المتضررة. وربما ينبغي التذكير هنا بأن بعضاً من أوثق حلفائنا في الدفاع عن حقوق الإنسان هم أيضاً أقرب حلفائنا في ما يتعلق بالسياسة الدبلوماسية والعسكرية الأوسع. وعلى سبيل المثال، فإن اليابان تساعد في الضغط على نظام كوريا الشمالية، وأستراليا تساعد بخصوص جهودنا في حقوق الإنسان في الصين، وبريطانيا في دعم المنشقين في روسيا وإيران. غير أن كثيراً من تحالفات أميركا تعرضت لضربات مزدوجة خلال السنوات الأخيرة جراء الإهمال الذي لقيته من إدارة أوباما والازدراء من حملة ترامب. وبالتالي، فلأسباب وجيهة جداً قام تيلرسون ووزيرُ الدفاع جيم ماتيس بوضع إصلاح تحالفات أميركا على رأس قائمة أولويات وزارتيهما. ولاشك أن إقامة شراكات على أساس القيم المشتركة يمثل طريقة واقعية للبدء في العمل. ويل إينبودن كاتب وموظف سابق في البيت الأبيض ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»