يوماً بعد يوم، يصبح سلوك ترامب أكثر إثارة للقلق. فمرة، يعمد للحط من قدر قاضٍ فيدرالي طعن في قانونية أمره التنفيذي بشأن حظر السفر، ومرة، يتهم وسائل الإعلام، من دون دليل، بالتستر على تصويت غير قانوني أو أعمال إرهابية. الأزمات قادمة لا محالة بسبب تفكك رؤية الرئيس دونالد ترامب للعالم وعدم انسجامها! كيف ذلك؟ إن العالم اليوم أكثر ترابطاً من أي وقت مضى. ذلك أن عولمة الأسواق، وانتشار الهواتف الذكية، والتسارع في التكنولوجيا والبيولوجيا، والتحركات الجماعية الجديدة للمهاجرين، واضطرابات المناخ... كلها أمور مترابطة وتؤثر في بعضها البعض. ونتيجة لذلك، فإن الأميركيين في حاجة لرئيس يستطيع ربط كل هذه النقاط بعضها ببعض، والإبحار عبر طريق تسعى لاستخلاص أكبر فائدة وترك أسوء ما فيها. ولكن ترامب لا يربط بين النقاط. فقد قدّم جملة من الوعود وغير المترابطة حتى يُنتخب، وعود ليست أطول من تغريداته على تويتر أحياناً، وها هو الآن يسعى لتنفيذ كل واحد منها من دون التفكير في العلاقات الممكنة بينها، أو استشراف التأثيرات غير المباشرة والعواقب غير المقصودة التي قد تنتج عن ذلك. ويالها من طريقة عظيمة لجعل أميركا ضعيفة – ومنهكة – من جديد! من أين عساي أن أبدأ؟ ترامب يريد أن يكون أكثر حزماً وصرامة مع الصين بخصوص التجارة والأمن. وهذا ليس جنونياً، ولكن كيف يمكن أن أفعل ذلك؟ سأقوم بتشكيل تحالف للدول المطلة على المحيط الهادي التي تحيط بالصين في إطار ميثاق تجاري يدعم حُكمَ القانون على الأسلوب الأميركي، ووصولاً أكبر إلى السوق بالنسبة للملكية الفكرية والمنتجات الأميركية، والترويج للقيم الأميركية. وسأسميه «الشراكة عبر الهادي». ولكن مهلاً، أوباما قام بذلك، ولكن ترامب انسحب من «الشراكة عبر الهادي» منذ اليوم الأول حتى من دون أن يقرأها، وأنا متأكد من ذلك. واليوم، هناك أسباب كثيرة للاعتقاد بأن حلفاءنا في منطقة آسيا- المحيط الهادي سيخضعون لمزيد من النفوذ الاقتصادي للصين و«قواعدها» التجارية. فإلى أي مدى كانت هذه الخطوة ذكية وموفقة في تحقيق أهدافها؟ ثم لماذا العمالة في المكسيك أرخص من العمالة في أميركا؟ أحد الأسباب أن المكسيك لديها حقوق عمالة ومعايير بيئية أضعف مما هو موجود لدينا. ولكن دعونا نرى ماذا كانت ستفرضه «الشراكة عبر الهادي» على المكسيك وبلدان أخرى موقعة؟ أن تجعل حقوق عمالتها ومعاييرها البيئية قريبة من مستوى حقوقنا ومعاييرنا. ولكن بدلاً من ذلك، يريد ترامب إنشاء جدار لمنع قدوم المهاجرين المكسيكيين وإرغام الشركات على الانتقال إلى الولايات المتحدة. ولكن دعونا نرى ماذا حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر، عندما تم تشديد الإجراءات بشكل كبير في المعابر الحدودية مع المكسيك وكندا لدواعٍ أمنية؟ لقد أدى ذلك إلى إغلاق بعض خطوط التجميع في شركات صناعة السيارات الأميركية، مثل «فورد»، لأن سلاسل الإمداد التابعة لها كانت تمتد إلى المكسيك وكندا. فالعمل منخفض الكلفة يتم في المكسيك ثم يدمج مع العمل ذي القيمة العالية المضافة في أميركا، الأمر الذي يمكّن شركات صناعة السيارات الأميركية من التنافس بخصوص السعر في أوروبا واليابان والصين. ولكن ماذا فعلت الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بعد الحادي عشر من سبتمبر؟ لقد أنشأت «الظرف الأمني لأميركا الشمالية»، كما يقول سيث ستودر، مساعد وزير الأمن الداخلي في إدارة أوباما. ونتيجة لذلك، إذا سافر شخص من الشرق الأوسط إلى المكسيك أو كندا، فإن وزارة الأمن الداخلي الأميركية تكون على علم بذلك. ثم إنه إذا أرغم ترامب كل هذه الشركات متعددة الجنسيات، التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة، على نقل عملياتها من المكسيك إلى الولايات المتحدة، فماذا سيكون تأثير ذلك؟ المساهمة في إضعاف الاقتصاد المكسيكي بحيث يدفع ذلك مزيداً من المكسيكيين إلى محاولة النزوح شمالاً، ورفع التكاليف بالنسبة للمصنعين الأميركيين. فما الذي سيفعلونه في تلك الحالة؟ إنهم سينقلون مصانعهم إلى الولايات المتحدة، ولكن سيقومون في الوقت نفسه باستبدال أكبر عدد ممكن من البشر بروبوتات قصد احتواء التكاليف المرتفعة. وفي الأثناء، تقول الأمم المتحدة إن ثمة رقماً قياسياً من اللاجئين والمهاجرين النازحين يقدر بـ65 مليون شخص، معظمهم من البلدان النامية، يحاولون الوصول إلى بلدان آمنة مثل الولايات المتحدة أو أوروبا. لماذا؟ لمجموعة من الأسباب التي تشمل الحروب الأهلية، وفشل الدول، والكوارث المناخية، والانفجار السكاني. ولكن ماذا فعل ترامب خلال أسبوعه الأول في الرئاسة؟ لقد قام بتعيين شخصيات معروفة بإنكارها لتغير المناخ في مناصب حساسة، وقطع المساعدات الأميركية عن المنظمات الصحية التي توفر الإجهاض كخيار من خيارات التخطيط العائلي في البلدان النامية. وعلاوة على ذلك، فإن ترامب يريد أن يدخل في شراكة مع فلاديمير بوتين من أجل هزم «داعش» في سوريا. وهو هدف مهم ويستحق الجهد بكل تأكيد. ولكن بوتين لا يحاول هزم «داعش»، بل يحاول هزم الديمقراطية في سوريا من أجل الإبقاء على نظام- متورط في جرائم إبادة جماعية وموالٍ لروسيا- في السلطة. فهل سيصبح ذلك هدفنا أيضاً؟ ثم من هم حلفاء بوتين في سوريا؟ إنهم إيران، و«حزب الله»، والمرتزقة الشيعة من باكستان وأفغانستان. فهل سيصبحون حلفاءنا أيضاً؟ كلا، إننا سنستعين بالسنة العراقيين والسوريين لمساعدتنا في محاربة «داعش»، يقول ترامب. أحقاً؟ ولكنه أمَر للتو بحظر دخولهم إلى الولايات المتحدة. فكيف يمكن أن يتعاونوا معنا؟ ولكن، من هم الأشخاص الآخرون الذين قد يحول هذا الحظر دون دخولهم الولايات المتحدة؟ أتتذكرون ستيف جوبز؟ إن والده كان اسمه عبدالفتاح «جون» جندلي. وقد قدِم إلى أميركا طالباً في الخمسينيات ودرس في جامعة ويسكونسن. وهو ينحدر من مدينة حمص السورية. وخلاصة القول إنها عجيبة الفوضى التي يمكن أن يتسبب فيه المرء عبر تنفيذ بعض الأشياء، ولكن من دون الربط بينها واستشراف تأثيراتها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»