المتابع لأنشطة المصرف المركزي في الدولة وقراراته يلاحظ انتهاجه لسياسات مدروسة وجريئة، وبالأخص فيما يتعلق بتنمية قدرات المصرف وحماية النظام المصرفي والمالي من تداعيات التغيرات السريعة والخطيرة في النظام المالي العالمي. ضمن هذه السياسات واصل المصرف المركزي تعزيز احتياطياته من الذهب باعتباره ملاذاً آمناً لتتضاعف هذه الاحتياطيات في فترة زمنية قصيرة مستغلاً الانخفاض الكبير في سعر المعدن الأصفر، مما سيؤدي إلى تقوية وتنوع سلة الاحتياطيات من جهة وتحقيق مكاسب كبيرة في حالة ارتفاع أسعار الذهب، كما هو متوقع من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك اتخذ المصرف مؤخراً قراراً جريئاً يحظر استخدام كل العملات الافتراضية، وبالأخص «البيتكوين» التي انتشرت بصورة كبيرة وتضاعف سعرها من خلال تعاملات افتراضية ووهمية كبّدت الكثير من المتعاملين خسائر جسيمة. وفي شرحه لاتخاذ هذا القرار المهم أشار المصرف إلى أنه يهدف إلى «حماية المتعاملين من الاحتيال، باعتبار أن العملات الافتراضية، هي عملات غير آمنة في الدفع عبر الإنترنت، كما أنها لا تُطبع وفق نظام المصرف المركزي، ولا تخضع لإشرافه ومتابعته وليست ملموسة، وتعد منفذاً من منافذ غسيل الأموال». ومع أن العديد من بلدان العالم سمحت بتداول البتكوين، بل ووضعت آلات خاصة للتعامل بهذه العملة، إلا أن الكثير من دول العالم أيضاً انتبه لخطورة التعامل مع عملات افتراضية لا وجود لها، ويمكن أن تختفي في لمح البصر، ويمكن أن تؤثر على مجمل النظام المالي في هذا البلد أو ذاك. من هنا جاء التحرك المناسب للمصرف المركزي والهادف لحماية المتعاملين وحماية النظام المالي في الدولة بشكل عام. ولتأكيد جديته في تطبيق القرار، ألزم المصرف كل البنوك، بما فيها الأجنبية بعدم التعامل بالعملات الافتراضية حتى في حالة تعامل بلدانهم الأصلية بها. أشرنا من قبل إلى خطورة التعامل بالعملات الافتراضية التي من غير المعروف من يقف وراء إدارتها والتعامل بها في العالم الافتراضي في مكان ما من هذا العالم أمام شاشات إلكترونية لشراء وبيع عملات افتراضية وسط انهيارات وارتفاعات وهمية، إذ ارتفع سعر «البيتكوين» على سبيل المثال من 300 مقابل الدولار إلى 1200، ومن ثم انهارت إلى أقل من 700 وصعدت مرة أخرى إلى 1000 دولار مكبدة بعض المتعاملين خسائر وأرباحاً للبعض الآخر. صحيح أن العالم الافتراضي دخل حياتنا بقوة في العصر الحالي وأثر بصورة لافتة في قيم المجتمع وتعامل أفراده بعضهم مع بعض، إلا أن تأثيراته وتداعياته تتفاوت بين مجال وآخر، حيث يمكن تجاوز بعضها بسهولة، إلا أن بعضها الآخر، كالتعاملات النقدية والمالية يمكن أن تؤدي إلى تبخر مدخرات وتساهم في بؤس عائلات وأفراد قد لا يتصورون التداعيات الخطيرة للتعامل بها على حياتهم ومستقبلهم. عندما تحاول معرفة معلومات بسيطة عن من يقف وراء إصدار هذه العملات الافتراضية وتسويقها عبر الإنترنت والتداول بها، فإنك ستصطدم بحواجز لن توصلك إلى نتيجة، مما يعني أن هناك عالماً خفياً يحرك سوق هذه العملات ويحقق أرباحاً هائلة على حساب متعاملين غير ملمين بأصول التعاملات النقدية والمالية الصحيحة. نعم هناك مغريات عديدة تقدم للمتعاملين، وبالأخص أثناء المضاربات التي تؤدي إلى تضاعف أسعار العملات الافتراضية، والتي سرعان ما تنهار، كما أن التعامل بهذه العملات امتد لبعض الفنادق والمطاعم لتشجيع المتعاملين وإيهامهم بأن الأمر يبدو طبيعياً ومربحاً. لقد قام المصرف المركزي بواجبه مشكوراً، فاستقرار النظام النقدي والمالي في الدولة وحمايته يشكلان أولوية بالغة الأهمية في ظل تحول دولة الإمارات إلى مركز مالي عالمي يستقطب رؤوس أموال واستثمارات دولية كبيرة تبحث عن ضمانات وتساهم في نمو وتقدم الدولة.