في رحلة بالقطار بين جبال الألب تستغرق ساعتين، لم نجد أنا وزوجتي مقعداً شاغراً، لكن سيدة عجوز سويسرية ألحّت على زوجتي لتأخذ مقعدها، وبعد مرور بعض الوقت لمحني رجل سويسري كان يجلس مرتاحاً، فقام من مقعده وأصرّ في القطار المكتظ أن أجلس مكانه، وهو يردد: «أنت سائح!». وفي بلد عربي تعرض مجموعة من السائحين للاختطاف، وأشارت التقارير إلى التأثير الفادح للحادث على السياحة هناك، وكان من اللافت ما قاله بعض من أجريت لقاءات معهم من هناك، فقد قال أحد المحاسبين إن الغلاء المعيشي أهم عنده من اختطاف السائحين، وتساءل أحد المحامين عن العائد الذي يحصل عليه من السياحة حتى يهتم بالحادث! ومن الواضح أن هناك تصوّرين عن مفهوم السياحة لدى غير العاملين في هذا القطاع، أي عامة الناس وأغلبيتهم الكاسحة، التصوّر الأول يرى أن السياحة ركيزة أساسية في تحقيق النمو والتنويع الاقتصادي، والتصوّر الثاني يرى أن السياحة شأنٌ يتعلق بالعاملين في هذا القطاع، وهم وحدهم الذين يحققون المكاسب أو يتحملون الخسائر. وينعكس هذا التصوّر أو ذاك بالبداهة على النظرة إلى السائح، فبينما لدى أصحاب التصوّر الأول السائح خيرٌ يمشي على الأرض، ويساهم مع بقية رفاقه في تحسين معيشتهم، وتطوير بلدهم، وضمان المستقبل لأولادهم.. فلدى أصحاب التصوّر الثاني السائح حملٌ إضافي، ولو لم يأتهم لكان خيراً لهم! وفي الإمارات، السياحة تأتي في صلب الرؤية الحكومية، ولا أعتقد أن ثمة بلداً يولي السياحة أهمية أكثر من الإمارات، لكن يبقى هذا في نطاق المؤسسات والشركات، ولم يصبح ضمن اهتمامات أفراد المجتمع الإماراتي. ويمكن القول إن ثمة «لا تصوّر» على المستوى الشعبي عن السياحة والسائحين. هذا اللا تصوّر ملاحظٌ في كثير من الأشياء، فأنت لا تجد نقاشاً عاماً حول السياحة والسائحين، ذلك النقاش الذي ينصبّ حول قيمة السائح وأهمية السياحة، ومن النادر أن تجد كتابات حول ذلك، اللهم إلا البيانات الصحفية التي تصدر من مؤسسات وهيئات السياحة، ولا تجد فكرة السياحة كمورد اقتصادي مطروحة مثلاً في المسلسلات والأفلام والبرامج الإماراتية. وفي المجالس الخاصة والأحاديث هنا وهناك، الكلام يدور حول السياحة في الدول الأخرى.. أين سافرنا؟ ماذا فعلنا؟ ماذا رأينا؟ مع كلام حول ضرورة أن نكون سفراء رائعين، ومن النادر أن تسمع شيئاً عن ضرورة أن نكون البلد الأول على مستوى العالم في السياحة، وإذا جاء الذكر على السائح لدينا، فالكلام يدور غالباً حول ما يحصل عليه، وليس حول ما يقدمه. وبطبيعة الحال، يجد السائح في الإمارات المعاملة الحسنة في كل مكان، لكنها معاملة نابعة من الشعور بالواجب نحو أي إنسان، دون الأخذ بعين الاعتبار البُعد الاقتصادي في الأمر، ومن ثم لا غنى عن العمل على ترسيخ الوعي الشعبي بأهمية السياحة والسائحين، ففضلاً عن الانعكاسات الإيجابية لهذا الوعي على السائح نفسه، سيعمل هذا الوعي على إقبال أكثر من الإماراتيين للعمل والاستثمار في القطاع السياحي، وهو رافد مهم من روافد الاقتصاد الوطني، خصوصاً أننا نقترب سنة بعد أخرى من موعد الاحتفال بتصدير آخر برميل نفط. ‏?