لعل أقوى اللحظات في رئاسة ترامب، حتى الآن، هي تلك التي وقعت قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، حين توصل إلى اتفاق مع شركة «كارير» لصناعة المكيفات الهوائية يقضي بالإبقاء على وظائفها داخل الولايات المتحدة، لكن النجاح لم يكن من نصيب بقية أعماله الرئاسية الأخرى. فهل مثلت صفقة «كارير» سياسة اقتصادية حصيفة، واستعمالاً حكيماً ومتعقلاً لصلاحيات الرئاسة؟ ليس تماماً، لكنها أبرزت سعي ترامب لإنجاز بعض وعوده الانتخابية: التعهد بالتركيز على الوظائف ذات الأجور الجيدة لفائدة الأشخاص الذين يبدو أن كلا الحزبين قد أهملهم. إنها الرسالة التي ساعدته على الفوز في منطقة الغرب الأوسط، ومعها المجمع الانتخابي. وهي رسالة أمضى مستشاره الاستراتيجي ستيف بانون الفترة الانتقالية يتفاخر بأنها ستؤدي إلى إعادة اصطفاف تصدم المنظرين المحافظين والليبراليين على حد سواء، لكنها رسالة اختفت عموماً خلال الأسابيع القليلة الأولى من رئاسة ترامب وما شابها من ترنح. ونتيجة لذلك، فإن رئاسته تواجه حالياً خطر مصير مشابه لذاك الذي لقيته رئاسة جيمي كارتر؛ إذ قد ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح مفتقرة إلى الشعبية وغير فعالة ومنشغلة بالصراعات. صحيح أن الحرب الحالية مع الليبراليين ووسائل الإعلام قد تحافظ على قاعدته وتحول دون انخفاض معدلات شعبيته، لكنها لا تفعل شيئاً للدفع بأي نوع من الأجندات، وكلما ظل البيت الأبيض عالقاً في هذا النوع من الميلودراما، ازداد احتمال أن يسجل مجلسا النواب والشيوخ رقماً قياسياً في ضعف الإنتاج التشريعي. لكن هل ثمة سيناريو آخر محتمل؟ بالطبع، فالرئيس ما زال لديه هامش واسع للتحرك. ومما يحسب له قيامه بتشكيل إدارة كفؤة إلى حد ما، وكونه رفع خلال حملته الانتخابية أجندة سياسية ذات شعبية إلى حد ما، كما أنه لا يواجه أي أزمات فورية بخصوص الاقتصاد أو السياسة الخارجية، ولا يوجد تهديد يتطلب منه التحرك بشكل سريع وفوري. وبالتالي فليس ثمة سبب يمنعه من أن يستيقظ غداً ويقرر منح تفويض كبير لوزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس بخصوص السياسة الخارجية، ويترك لوزير العدل جيف سيشنز ووزير الأمن الداخلي وجيمس كيلي مهمة رسم الخطوط العريضة لسياسة الهجرة. ولا شك أنه سيكون ثمة وقت لإعادة تشكيل النظام العالمي إذا ما عادت معدلات شعبيته إلى ما فوق 45%، أما الآن فيمكنه تأجيل مخططاته وقراراته الكبيرة، على غرار تلك التي قام بها نيكسون تجاه الصين، والاكتفاء بمواجهة الأزمات كما تأتي، وهو ما قد يحرره ويفسح له المجال من أجل أخذ بعض المواضيع السياسية والسعي لتحقيقها. لكن ليست السياسات الأصعب: ولنترك لرئيس مجلس النواب بول ريان، ولزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل، أمر تحديد كيفية تطوير بديل لـ«أوباما-كير» عبر الكونجرس، والطلب من وزير الصحة توم برايس دعم النظام إذا لم يستطيعا. أما الرسالة الصادرة عن البيت الأبيض، فينبغي أن تكون بسيطة وشعبية. إننا نريد فاتورة كبيرة للبنى التحتية، وخفضاً لضرائب الطبقة المتوسطة، وإصلاحاً لقانون ضرائب الشركات. ليس حرباً مع القضاء، بل هو خفض للضرائب. وليس شيطنة لـ«سي إن إن»، بل مزيد من الوظائف، وليس نظريات ستيف بانون حول الإسلام أو أزمة الغرب، بل الجسور والطرق والأنفاق. وهذه نصيحة جيدة لأي شخص يواجه أزمة، بمن فيهم الرؤساء الجدد: إذا لم تعرف كيف تتعامل مع أصعب الأشياء، فجرّب شيئاً بسيطاً لبعض الوقت. روس داوذات محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز».