في يوم الأحد 15 يناير 2017 انعقد في باريس مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط، بمشاركة خمسة وسبعين بلداً، ولكن من دون وجود طرفي الصراع الرئيسيين. ولم يكن مفاجئاً أن ينتهي المؤتمر بإصدار بيان ختامي مذكراً بدعم المجتمع الدولي للحل المسمى «حل الدولتين»، ولكن من دون أن يتمكن، مع ذلك، من الدفع في اتجاه تحقيق هذا المطلب. وفي الواقع، فقد كان هدف المؤتمر أكثر تواضعاً من ذلك بكثير. إذ لم تكن لدى أيٍّ كان أوهامٌ حول احتمال تحقيق تقدم الآن من أي نوع في عملية السلام، وذلك بسبب رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دعم هذا المؤتمر وهدفه، والموقف من دول أخرى، والسعي لمعاقبتها. والحال أن الهدف الآن لم يعد السعي لبعث الحياة في حل الدولتين، وإنما فقط الحفاظ عليها في حالة غيبوبة وموت سريري اصطناعية. وطبعاً لا أحد يريد تحمل مسؤولية فصل الأجهزة عن هذا المريض المزمن، شبه الميئوس من حالته. ولذا فكل العالم يقول إن وضع الجمود الراهن غير مقبول، ومع ذلك، فلا جهد ملموسا يبذل للخروج من هذا الوضع. ولم يعد من الدقة في شيء الآن الحديث عن مسار عملية السلام، لأن لسان الحال يتحدث، بالأحرى، عن تعطل وانسداد هذا المسار. وفي إسرائيل، لم يعدل السجال بين من يؤيدون مسار التسوية ومن يعارضونه. وإنما هو بين من يرى أنه ينبغي الاستمرار في التظاهر رسمياً بقبول عملية السلام، مع الحرص دائماً على الالتفاف بعناية على كل ما من شأنه أن يقود إليها (وهذا رأي نتنياهو)، ومن يرى أنه ينبغي الإعلان بكل صراحة ووضوح أنه لم يعد هناك مكان لحل الدولتين، ومن ثم يجب تكثيف الاستيطان (وهذا رأي نفتالي بينيت). وثمة فقط خلافات حول التكتيك المناسب، وليس حول طبيعة الحل على المدى البعيد. وفي الكونجرس الأميركي يدور أيضاً سجال على المستوى نفسه، بين "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" معاً. والسؤال الوحيد بالنسبة لهم هو حول الكيفية الملائمة لدعم الاستيطان، ومحاربة حركة المقاطعة لإسرائيل المعروفة باسم «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» (BDS). وكأن الرهان قائم فقط بين ألا تفعل الولايات المتحدة شيئاً البتة، أو أن تنقل سفارتها إلى القدس (وهي مدينة بالغة الأهمية ليس بالنسبة لفلسطين فقط، وإنما بالنسبة لجميع الدول المسلمة). وأما روسيا فالأولوية بالنسبة لها الآن هي سوريا، ولا تريد المجازفة بتبديد علاقاتها مع إسرائيل. وفي الأمم المتحدة، يتمنى أنطونيو غوتيريس، أن يجد من الوقت ما يسمح له بطبْع بصماته على أداء المنظمة، ولكنه لا يستطيع مهاجمة إسرائيل ودونالد ترامب رأساً، منذ لحظة مجيئه للمنصب. ومن جهتها لا تريد الصين أيضاً المضي وحيدة في هذه القضية. هذا في حين أن المملكة المتحدة ذهبت أصلاً إلى حد انتقاد خطاب جون كيري. وألمانيا لا تريد، ولا تستطيع فعل شيء. ولذا فقد أعلن الجميع أنه لم يكن مثيراً للاستغراب أن تبادر فرنسا منفردة باتخاذ هذه المبادرة بعقد مؤتمر سلام بهدف إعادة إحياء عملية التسوية، تماماً مثلما أنها هي وحدها أيضاً من يستطيع اليوم، ومن يتعين عليه الاستمرار في هذه الجهود. وفرنسا الآن، في الواقع أقل تأثيراً من السابق، ولكن يلزم الاعتراف أيضاً بأنها هي البلد الغربي -بل البلد الوحيد بحصر معنى الكلمة- الأكثر نشاطاً حول هذا الموضوع. وفيما يخص الاتحاد الأوروبي، بحكم عدد دوله الثماني والعشرين، فهامش تحركه محدود، بما في ذلك حدود مجرد الالتماس من إسرائيل التوقف عن تخريب وتدمير البنيات التحتية في الأراضي الفلسطينية، التي صرف دافعو الضرائب الأوروبيون ثمن إنشائها، دعك من طلب تعويضات عنها عندما يتم تدميرها أصلاً. والراهن أننا نشهد اليوم حالة تراجع واسعة إلى الخلف في الموقف من عملية السلام، لا مثيل لها منذ سنة 1979. والراهن أن الشيء الوحيد الذي يخيف إسرائيل في الواقع هو وجود حملة مقاطعة، وذلك لأن ما بات يؤرق القادة الإسرائيليين ليس الضغوط الدولية -وآخرها زمنياً، القرار 2334، الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي، دون أن يكون مدعوماً بعقوبات- وإنما قوة الحركة على مستوى الرأي العام، التي لا يستطيعون وقفها ولا التحكم فيها، وهي حملة تزداد زخماً، وتنسج على منوال الحملة ضد نظام الفصل العنصري «الآبارتايد» السابق في جنوب أفريقيا. ومفهومٌ أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في مسار عملية السلام طالما أن الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تريدان ذلك، في ظل غياب ممارسة أي ضغط على هذه الأخيرة، وهو أمر فريد من نوعه مقارنة بأحوال جميع النزاعات الأخرى، التي يتعامل معها المجتمع الدولي. وفي مواجهة العجز العام من قبل الفاعلين الآخرين، كان على فرنسا أن تسأل نفسها: ما هو الحل الأفضل: التحرك على أوسع نطاق بمشاركة أكبر عدد ممكن من الفاعلين، لتطوير أصغر نقاط الاتفاق، أو التقدم ببطء وبلجان صغيرة ولكن بفاعلية أكبر، وعلى نحو تستعيد به باريس وجاهة وقوة مواقفها التقليدية من الصراع. والسؤال الآن: هل يسجل فرانسوا أولاند اختراقاً، ويخطو تالياً، بالاعتراف بفلسطين، كما تعهد بذلك سنة 2012؟ وهو التزام كبير أطلقة حينها، ولكنْ لم يتم الوفاء به حتى الآن.