جاء دونالد ترامب إلى السلطة يحمله وعد بإنعاش اقتصاديات المناطق المتعسرة. واستمد قوته من المدن والبلدات الصغيرة في الغرب الأوسط والجنوب. لكن سياسات الإدارة المتعجلة وغير المدروسة جيداً تجاه المهاجرين والطلاب الأجانب، وضعت الكثير من هذه المدن والبلدات في خطر شديد. وترامب ومستشاروه غير مدركين فيما يبدو لمدى اعتماد الاقتصاديات المحلية في داخل البلاد على الجامعات، ومدى اعتماد هذه الجامعات على الطلاب الأجانب. فقد قيد أول أمر تنفيذي رئاسي بشأن الهجرة، السفر ومنع عودة حاملي تأشيرات الدخول من دول عدة غالبية سكانها مسلمون. وهذا يضر بالفعل بطلاب أجانب في عدد من الجامعات الأميركية. ومسودات الأمر التنفيذي التالي تحتوي على شرط يقيد بشدة قدرة الطلاب الأجانب على العمل أثناء الإقامة في الولايات المتحدة. لكن التأثير المباشر لهذه القيود لا يُقارن بمناخ الخوف الذي يشيعه وسط الطلاب الأجانب. فغالباً ما تكون نبرة وميول الساسة أقوى تأثيراً من نص القانون. وإدارة ترامب تذيع فيما يبدو رسالة واضحة مفادها أن الطلاب الأجانب أشخاص غير مرغوبين في الولايات المتحدة. وهذا قد يخنق تدفق الرسوم الدراسية التي يدفعها الطلاب الأجانب ويقلص تمويل الأبحاث التي تدعم حالياً اقتصاديات محلية كثيرة في الغرب الأوسط والجنوب. ولنلق نظرة على الاقتصاد. فقد كانت الشركات، في عصر سابق، طوق النجاة للمدن والبلدات الصغيرة بإقامتها مصانع لقطع غيار السيارات أو مصانع لإنتاج اللحوم على سبيل المثال. فهذه الشركات تشتري المواد الخام والكهرباء والخدمات من الأنشطة الاقتصادية الأخرى في المنطقة. وعمال الشركات يأكلون في المطاعم المحلية ويشترون أثاث منازلهم من المتاجر المحلية ومنازل من المقاولين المحليين وهكذا. وكل هذا ينعش الاقتصاد المحلي. ومازال هناك بلدات كثيرة ينتعش اقتصادها بهذه الطريقة. لكن في العصر الحالي، أنعشت الجامعات اقتصاد مناطق كثيرة. وأنا لا أتحدث فحسب عن المدن التي بها جامعات شهيرة مثل بيتسبورج في بنسلفانيا أو ماديسون في يسكونسن، بل أتحدث عن بلدات مثل هايز في ولاية كانساس التي يبلغ عدد سكانها 21 ألف نسمة. و«هايز» بها جامعة «فورت هايز ستيت» التي تضم نحو 13 ألف طالب. والجامعة هي عماد اقتصاد البلدة. وبلدة «هايز» محورية في الاقتصاد الإقليمي لمقاطعة إيليس. و96% من السكان من البيض ممن تمتد جذورهم إلى المهاجرين الألمان الذين جاءوا إلى البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر. هي إذن منطقة نمطية من تلك المناطق التي دعمت ترامب. فقد حصد ترامب أكثر من 71% من أصوات ناخبي المقاطعة في الانتخابات الرئاسية. لكن مقاطعة إيليس عينها هي التي يضعها الأمر التنفيذي في خطر. فما يقرب من ثلث الطلاب قادمون من الخارج. وعلى خلاف الطلاب المحليين، يدفع الطلاب الأجانب عادة الرسوم الدراسية كاملة، وهو ما بلغ نحو 13 ألف دولار في عام 2014، بينما دفع الطلاب المحليون نحو 4500 دولار. وهذا يعني أن الطلاب الأجانب لا يحرمون المحليين شيئاً بل يدعمون في الواقع تعليم هؤلاء المحليين بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً. فالآباء الأثرياء في الصين والهند وغيرها يحرصون على حصول أولادهم على درجات علمية أميركية، ويدفعون أموالاً طائلة لإرسالهم إلى جامعات مثل «فورت هايز ستيت»، وهذه الأموال تساعد طلاب كانساس المحليين على الحصول على تعليم جيد لا يستطيعون الحصول عليه في أماكن أخرى. ومعظم الطلاب الأجانب يعودون في نهاية المطاف إلى ديارهم، بينما يحظى طلاب كانساس المحليين بدعم مدى الحياة. والأهم من هذا، مكاسب الاقتصاد المحلي الذي يستفيد من مما ينفقه هؤلاء الأجانب على الطعام والكساء والترفيه. كما يستفيد الاقتصاد من كل الخدمات التي تشتريها الجامعة من فنيي الكهرباء والسباكة وشركات البناء. ولا عجب أن يصف الاقتصادي أدم اوزيميك تعليم الطلاب الأجانب بأنه صناعة تصدير تجلب عشرات المليارات من الدولارات في العام. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»