تنشأ في الأزمات والحروب فئات استغلالية تقوم بتوجيه الأوضاع لصالحها لتضمن استمرار نفوذها، وتصبح بيئة الأزمات أو الحروب هي المفضلة لديها، بقدر ما تجني منها من أرباح وثروات، وبقدر ما تجعل من مجمل الظروف المحيطة بها تخدم دوام تسلطها وهيمنتها. وتمثل الحالة الإيرانية صورة واضحة لأسلوب المتاجرة بالأزمات، وتحويلها إلى نمط اقتصادي لا تريد له أن ينتهي، لأن شريحة محددة تستفيد من تلك الظروف وتعمل في إطارها من خارج المؤسسات لتكوين ثروات طائلة وغير منظورة في بيانات الاقتصاد الرسمي المعلن. ومنذ نشأة النظام الإيراني الحالي وهو يعتاش طوال عمره القصير على الأزمات ويحولها إلى نمط حياة اقتصادية لها أساليبها وأهدافها، ويستفيد منها القطاع المعني بحماية النظام، ويتمثل في الجناح العسكري العقائدي الذي يعرف بالحرس الثوري، لذلك يخشى هذا الجناح انتهاء مرحلة التعبئة الدينية التي يقودها الملالي، ويحاول بقدر الإمكان الإبقاء على إيران في حالة صدام وعداء مستمر مع كل الأطراف شرقاً وغرباً. ويبدو من خلال تتبع واقع النظام الإيراني أن عدداً لا بأس به من القيادات الدينية والعسكرية أصبحوا يخشون أي بوادر تبشر بالاستقرار والتصالح مع الغرب، ويعتبرون أن ذلك يمثل التهديد الأبرز لنفوذهم وتسلطهم السياسي والاقتصادي، بينما يعيش المواطن الإيراني المغلوب على أمره في وهْمٍ كبير، مفاده أن إيران في حالة عداء إجباري مع الغرب، ولا يعرف أن من يصنعون العداء ويطيلون عمره هم المتنفذون الذين يستفيدون من بقاء المجتمع الإيراني في مرحلة الأزمات، لكي يتاجروا بكل شيء، بما في ذلك راهن ومستقبل الإيرانيين. ومنذ توقيع إيران مع الغرب على الاتفاق النووي، ورغم الفوائد التي جنتها طهران، ومنها تخفيف الحصار الغربي واستعادة ودائع مالية، فإن تحركات الجناح الإيراني المتشدد لم تهدأ بقصد مواصلة استفزاز الغرب، وبخاصة بعد فوز ترامب بالرئاسة، حيث وجد المتشددون وقادة الحرس الثوري في شخصية ترامب وميوله المتعصبة فرصة سانحة لاستفزاز الإدارة الأميركية الجديدة، وقاموا بإجراء تجربة صاروخية باليستية كانت نتيجتها فرض عقوبات أميركية طازجة على طهران وبعض توابعها في المنطقة، وهذا ما كان قادة الحرس الثوري الإيراني يبحثون عنه، بل ويسعون لتحقيقه، فقادة الجناح العسكري المكلف بحماية النظام يرغبون بشدة في استمرار الانغلاق الاقتصادي والحصار الذي فرضته إيران على نفسها، وذلك لكي يستفيدوا منه بتحويله إلى أداة لجني المكاسب المالية والتحكم في السلع الضرورية عبر التهريب، وفي الوقت ذاته إخضاع المجتمع الإيراني وابتزازه باسم الصمود في وجه الغرب. وهكذا أصبح جواب السؤال المتعلق بأسباب استفزاز إيران لترامب معلوماً، وهو بحث إيران ممثلة بالمتشددين عن تصعيد مستمر للعداء مع أميركا، بهدف استمرار أجواء الغموض في الاقتصاد الإيراني، مقابل استمرار سيطرة الحرس الثوري الإيراني على سوق تهريب البضائع إلى إيران، وما ينجم عن ذلك من تقوية نفوذ حرس الثورة وقادته، وبالتالي تقوية اللوبي العسكري الموالي للمرشد والمسيطر على مفاصل الاقتصاد والجيش. هناك سيل من الحقائق والمعلومات الصادمة عن ممارسات الحرس الثوري الإيراني، وتنكشف بين فترة وأخرى على يد منشقين إيرانيين بعضهم لجؤوا إلى الغرب وكانت لهم صلات عمل مباشرة مع الذراع العسكرية لخامنئي الذي يتحكم بشؤون عديدة، اتضح أن منها تكوين ثروات غير مشروعة قائمة على التهريب. ومما تم الكشف عنه مؤخراً أن قادة الحرس الثوري يسيطرون عبر الكثير من الشركات والمؤسسات الدينية على التجارة الخارجية، وخاصة ما يتعلق بالبضائع والمنتجات التي تدخل تحت نطاق الحظر الدولي، وأن الأرباح التي يحصدها الحرس الثوري تأتي من تهريب البضائع الممنوع تصديرها إلى إيران، وهنا يكمن السر خلف سعي المتشددين في إيران إلى استمرار الحصار الغربي والعداء الشكلي مع أميركا، بما أنه يوفر لقادة الحرس الثوري الكثير من الأموال عبر السيطرة على منافذ التهريب والتحكم الكامل بهذا النشاط المشبوه. ومن العجائب التي تروى عن إيران أن حرس الثورة كانوا سعداء جداً بوصول ترامب إلى السلطة، وأنهم يأملون منه عدم تطبيع العلاقات الأميركية مع إيران، لأن ذلك يعني انتهاء الحصار وانخفاض أرباح التهريب!