تشهد الهند ومنطقة الخليج العربي مشاهد سياسية واقتصادية درامية ضخمة، وهي كدول تنتهج سياسات دفاعية تؤثر على ما تنفقه لتحسين الخدمات كالتعليم والصحة ورفاهية المواطنين كالإسكان والمواصلات واستخدام التكنولوجيا الحديثة والاهتمام بالتربة الزراعية والمراعي، خاصة بالنسبة للهند. الهند ودولة الإمارات عليهما تبني خيارات صعبة لكي يمكنهما تحقيق الأهداف الخاصة بالأمن بمفهومه العسكري وبالمفاهيم الخاصة بأمن الغذاء. لذلك فإن صناع السياسة ومخططيها ومتخذي القرار، عليهم الاستمرار في مواجهة المتطلبات الخاصة بالتنافس بين تحقيق اهتماماتهما المتعلقة بالدفاع وبالأمن الغذائي، وأن تقوما بتقييم ذلك بدقة متناهية، خاصة بأبعاده السياسية الثنائية بين الإمارات والهند كل على حدة. وربما أن جزءاً وافراً خصص لذلك في أثناء زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الهند مؤخراً. وقد يؤدي استخدام التقنيات الحديثة المتطورة إلى الاعتماد على الذات من قبل كلا الجانبين، وهذا منطق معقول ومرحب به لأنه من غير وجود اعتماد على الذات بالنسبة لهذه المسائل تصبح الدول المعنية تحت رحمة الآخرين، ولكن في هذه المرحلة يحد من ذلك العديد من الصعوبات على الجوانب الفنية والمالية، فعلى سبيل المثال الأوضاع صعبة جداً بالنسبة للهند التي تقوم بالإنفاق الضخم على استيراد السلاح واللوازم العسكرية الأخرى، وفي الوقت نفسه يسكن الهند سدس سكان العالم، في الوقت الذي يوجد فيها ما يقارب نصف عدد فقراء العالم أجمع. أما على صعيد الإمارات، فنظراً للظروف الإقليمية المحيطة بها من ناحية أمنية، خاصة بالنسبة لعلاقاتها مع إيران فإن هاجس القدرة الذاتية والجماعية سيبقى ماثلاً أمامها في كل لحظة، وأخذاً بعين الاعتبار القدرات المالية لديها، وإمكانيات الهند الصناعية على صعيد بعض أنواع الأسلحة والخدمات العسكرية، تستطيع الإمارات الاتجاه نحو الهند لاستكشاف إمكانية التعاون معها في هذه المجالات، فالهند آخذة حالياً في إعادة التفكير في طرق ووسائل تمويل ميزانيتها السنوية، ومن ضمن القضايا التي يتم النظر فيها تصدير السلاح. في الماضي كانت الهند مترددة في الدخول إلى سوق السلاح العالمي كبائع، ويلاحظ بأن مبيعات الهند من الأسلحة لم تكن تتعدى بضعة ملايين قليلة من الدولارات الأميركية في العام، وقد كان لذلك سببين: الأول، هو الالتزام الأخلاقي الذي كانت تفرضه سياسات عدم الانحياز، والثاني يتعلق بكون الصناعة العسكرية الهندية ملكاً للدولة التي تنتج لتزويد المؤسسة العسكرية الهندية ببعض احتياجاتها وليس بغرض تحقيق الأرباح المالية عن طريق التصدير إلى الخارج. في ظل هذه الظروف نشير إلى أنه لا يمكن للهند أن تدخل إلى سوق السلاح كبائع له أهميته وبثقل، خاصة أن هذه السوق ذات صفات وخصائص تنافسية شديدة التعقيد بين رجال أعمال ودول هذه الصناعة، لكن يمكن للإمارات المحاولة واستكشاف مدى قدرة هذه السوق على تلبية جزء من احتياجاتها المستقبلية، وذلك في إطار سعي الإمارات الدؤوب للبحث عن مصادر متنوعة وعدم الاعتماد كلية على مصادر محدودة، وإذا لم تكن الهند قادرة على أن تصبح مزوداً بالأسلحة المتطورة فإن الإمارات تستطيع في هذه المرحلة الاستفادة منها في مجالات الخدمات العسكرية المساندة والتدريب، والهند قادرة وربما مستعدة لتزويد الإمارات بهذا النوع من الخدمات، فهي تقوم منذ عام 1992 بتقديم عروض محددة لعدد من دول مجلس التعاون الخ دولتا الإمارات والهند تستطيعان العمل معاً في مجالات الأمن والدفاع العسكري والأمن الغذائي عن طريق العمل على تحقيق الأمن الشامل لمنطقة جنوب آسيا وجنوب غربها والخليج العربي عن طريق نبذ العنف المسلح في علاقات الدول بعضها ببعض والحد من التسلح بجميع أشكاله، خاصة الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، والعمل على حل النزاعات بين دول المنطقة بالطرق السلمية. د. عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي