بعد قرار الحكومة الهندية إبطال قيمة أوراق النقد ذات الفئات الكبيرة الذي أدى إلى بطء في نمو الاقتصادي الهندي، حاولت الحكومة تقديم ميزانية سنوية لهذا العام تستهدف تقليص تأثير عملية إبطال قيمة أوراق النقد تلك. والهدف الذي أعلنته حكومة «ناريندرا مودي» من وراء إبطال قيمة أوراق النقد تلك هو التصدي لاقتصاد الأموال السوداء في الهند الذي يُقدر بأنه يساوي أو يزيد على حجم الاقتصاد الرسمي في البلاد. واستهدف الإجراء أيضاً إعادة ما يُعادل مليارات الدولارات من النقد في صورة ثروة غير محسوبة في الاقتصاد الرسمي إلى التيار الرئيس للاقتصاد، بالإضافة إلى توجيه ضربة إلى تمويل المتشددين الذين استهدفوا الهند ويشتبه في أنهم يستخدمون أوراقاً نقدية مزيفة من فئة 500 روبية لتنفيذ عملياتهم الإرهابية، لكن التنفيذ السيئ للقرار أدى إلى تعطش كبير للنقد في النظام، مما أدى إلى إنفاق أقل بسبب النقص في الأوراق النقدية الجديدة في النظام. وأضر هذا بالقطاع غير الرسمي، حيث فقد مئات من عمال المياومة أعمالهم في اقتصاد يسيطر عليه الدفع النقدي وواجه المزارعون ضربة قوية بسبب ضعف المبيعات وانخفاض أسعار منتجاتهم. وكل هذا أضر بنمو الاقتصاد الهندي الذي كان قبل إبطال قيمة فئات العملة من بين أسرع اقتصادات العالم نمواً، لكنه انخفض إلى نسبة نمو بلغت 6.5% في هذه السنة المالية مقارنة مع 7.6% في السنة المالية الماضية. وحاول وزير المالية الهندي أثناء تقديمه للميزانية الاتحادية 2017-2018 في البرلمان في الأيام القليلة الماضية أن يقلل من شأن الآثار السلبية لإبطال قيمة الأوراق النقدية خاصة بالنسبة لمن هم في القطاعات الأدنى والصغيرة والمتوسطة من الصناعات التي تضررت أشد الضرر بسبب الافتقار إلى النقد. وخصصت الميزانية 3.96 تريليون روبية للبنية التحتية في السنة المالية 2017-2018 بزيادة 2.12 تريليون روبية عن السنة السابقة. وخفضت أيضاً معدل الضرائب على الشركات للأنشطة الاقتصادية الصغيرة التي تكسب أقل من 500 مليون روبية سنوياً. ومما لا شك فيه أن تعزيز الإنفاق على البنية التحتية في الطرق السريعة والسكك الحديدية والمواني وغيرها من عناصر البنية التحتية الأخرى خطوة مهمة بالتأكيد ولها قدرة كامنة على تحفيز الصناعات الأخرى وعلى زيادة الوظائف. لكن رغم هذا فمن المحتمل أن يتفاقم بطء النمو الاقتصادي نتيجة الإصرار على منع الدفع نقداً فوق مبالغ معينة من أجل تعزيز عملية الدفع الرقمية كجزء من مسعى الحكومة لمكافحة الفساد، وهذا لأن المناطق الريفية التي تجري فيها معظم التعاملات المالية نقداً ما زالت غير قادرة على التعافي من هزة إبطال قيمة الأوراق النقدية. ورغم تقديم أكبر زيادة في الدعم للمناطق الريفية في الخطة القومية من 385 مليار روبية إلى 480 مليار روبية، لكن الميزانية لم يأتِ فيها ما يدل أنها أولت معالجة القضية ما يكفي من الاهتمام. والصناعة صغيرة ومتوسطة الحجم، والتي تمثل القوة المحركة للصناعة في الهند، تضررت بشدة من عملية إبطال قيمة الأوراق النقدية ويتعين أن تستعيد السيولة النقدية لتعود قادرة على السير على الطريق الصحيح من جديد. وبينما وُصفت الميزانية بأنها «متوازنة»، فلم يُعلن عن مبادرات جديدة عن انفتاح جديد في الاقتصاد أو تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. وكي نعطي دفعة للنمو الاقتصادي تحتاج الحكومة أن تحسن الإجراءات وتضمن أن يكون المستثمرون الأجانب قادرين على الاستثمار بسلاسة دون مواجهة عراقيل إجرائية وبيروقراطية. ورئيس الوزراء «ناريندرا مودي» يعمل جاهداً كي يجتذب الاستثمارات من دول الخليج العربي، ولذا أعلنت الحكومة إلغاء هيئة الترويج للاستثمار الأجنبي ليجعل الاستثمار في الهند أيسر على المستثمرين الأجانب، لكن ما زال يتعين اتخاذ قرارات جريئة أخرى لتخفيف الإجراءات لتحقيق هذا الهدف. وفي السنوات الثلاث الماضية جاء ما يزيد على 90% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الهند تلقائياً بسبب دعم الحكومة السابقة والحالية لسياسة الدعم للاستثمار الأجنبي المباشر. والسعي لتعزيز الاقتصاد بشكل أكبر يأتي في وقت من عدم اليقين في الاقتصاد الدولي، فالولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب تلجأ إلى السياسات الحمائية وأوروبا تمر أيضاً بتغيرات بعد قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي. الجدير بالذكر هنا أن الميزانية الهندية جاءت في وقت يأمل فيه حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الفوز في الانتخابات الجارية في ثلاث ولايات هندية مهمة. وإذا فاز الحزب في كل الولايات الثلاث، وهو ما يبدو غير محتمل في الوقت الراهن، فسيكون بوسعه تحقيق بعض الإصلاحات الكبيرة. د. ذِكْرُ الرحمن* *رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.