واجه بنيامين نتنياهو صدمة فيما يتعلق بالآمال التي يعلقها على الرئيس ترامب لدفن حل الدولتين والانطلاق في نشاطاته التوسعية الاستيطانية في الضفة الغربية، وهي الصدمة التي ينبغي وضعها تحت عدسات المجهر وبحث أسبابها ومراقبة تطوراتها. جاءت الصدمة ممثلة في بيان يحمل دلالة جديدة من البيت الأبيض يوم 3 فبراير الجاري بعد أن أعلن نتنياهو عن تكثيف عمليات الاستيطان وهو مطمئن فيما يبدو لموقف ترامب الذي سبق أن عبّر عنه أثناء حملته الانتخابية من أنه لا يرى في الاستيطان الإسرائيلي العقبة الرئيسية أمام السلام، خلافاً للرئيس أوباما. الجديد في بيان البيت الأبيض الذي أعلنه المتحدث باسمه، هو القول بأن إقامة مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة إلى خارج حدودها في الضفة الغربية، يمكن ألا يساعد في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. فهذا القول يعتبر جديداً على إدارة ترامب، وقد طرح دلالة توقف عندها المحللون الإسرائيليون مفادها أن الإدارة الأميركية بدأت تدرك أن الاستيطان يمكن أن يكون عقبة في وجه السلام وأنها متمسكة بحل الدولتين، وأنها وإن كانت لم تتخذ حتى الآن موقفاً رسمياً ضد الاستيطان فإنها يمكن أن تفعل ذلك مستقبلاً.. لذلك فقد مثل البيان الأميركي صدمة لحكومة نتنياهو وأوساط اليمين المرتبطة بها. فنتنياهو الذي يشغل منصب وزير الخارجية بالإضافة إلى منصب رئيس الوزراء، أمر نائبة وزير الخارجية تسيبي حاطوفلي بالرد على بيان البيت الأبيض ليتجنب هو شخصياً الدخول في مساجلة مبكرة مع ترامب وإدارته. لم تجد حاطوفلي ما تقوله في ردها سوى التأكيد على أن حكومتها تتفق مع الموقف الأصلي لترامب الذي لا يرى في الاستيطان عقبة في وجه السلام، وراحت تلقي بالمسؤولية على الجانب الفلسطيني وتعتبر أن العقبة في وجه السلام تتمثل في رفض الطرف الفلسطيني للمفاوضات ما لم تجمد إسرائيل التوسع الاستيطاني. في نفس الوقت نلاحظ أن أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرفة أدركت أن هناك تطوراً جديداً في موقف الإدارة الأميركية تمليه المصالح الأميركية مع الدول العربية وأنه من الصعب مقاومة هذا الموقف الجديد، وأنه لابد من قبوله والتكيف معه، ولذا نجد قيادياً متطرفاً في حركة الاستيطان هو عوديد رفيفي سبق أن دعي إلى حفل تنصيب ترامب يقول إنه على إسرائيل أن تفهم بأن للولايات المتحدة مصالحها الخاصة بها والتي لا تتناغم دائماً مع المصالح الإسرائيلية. إن هذه الصدمة لنتنياهو وهذا التكيف اليميني الإسرائيلي يعنيان أن توجهات ترامب الأصلية المؤيدة للاستيطان من ناحية، والمؤيدة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس من ناحية ثانية، بدأت تتعرض لتطوير، وهو تطوير لا يمكن أن يحدث تلقائياً، بل من خلال التأثيرات التي تمارسها الزعامات العربية التي جرت بينها وبين ترامب اتصالات مباشرة معلنة، وأيضاً من خلال التأثيرات التي يمارسها وزراء الخارجية العرب ووزاراتهم على وزارة الخارجية الأميركية ووزيرها في قنوات الاتصال الديبلوماسية غير المعلنة. يمكننا أن نفهم من هذا التطور أن طبيعة الرئيس الأميركي كرجل أعمال يبني سياساته على مبدأ تحقيق المصلحة الأميركية، ستكون هذه الطبيعة عنصراً حاسماً في تشكيل المستقبل القريب، وذلك عندما يحين موعد إنجاز صفقة السلام الكبرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي وعد ترامب بإنجازها. فالمصالح الأميركية لدى العرب لا تخفى على الأعين الفاحصة في واشنطن، وهي مصالح سياسية وأمنية واقتصادية.