قبل ما يزيد قليلاً على عام، في فترة حافلة بالأحداث، قابلت تان هتوت أونج للمرة الأولى. كان مواطنو ميانمار يشاركون في أول انتخابات حرة بعد سنوات طويلة من حكم عسكري قاس. وكان هتوت أونج مفعماً بالأمل، فقد تجاسر هتوت أونج، في الأيام المظلمة للمجلس العسكري، على إنشاء شركة للإعلام المستقل وجد صحفيوها الذين كانوا ثلاثة في بداية الأمر وسائل جريئة ومبتكرة لسد حاجة الجمهور الملحة للحصول على المعلومات، وحين دشنت حكومة إصلاحية نسخة ميانمارية من البريسترويكا (المكاشفة) عام 2010، انتهزت هذه الفرصة شركة هتوت أونج، وهي «إيليفن ميديا جروب»، وحين اجتمعت معه عشية انتخابات نوفمبر 2015، كانت شركته تضم خمس مجلات أسبوعية وعدداً من الجرائد وإحدى أكثر صفحات الفيسبوك شعبية ولديها 250 صحفياً، وكانت تستمتع بالحرية الجديدة للتعبير عن الرأي. لكن الطريق كان وعراً أيضاً، فقد حدثني هتوت أونج عن تعرض الصحفيين لضغوط شديدة من الجيش الذي ما زال يتمتع بنفوذ كبير. وتعرض هتوت أونج نفسه لهجوم أثناء الحملة الانتخابية ونجا من الموت، لكنه ظل متفائلاً. وتوقع أن تحقق «أونج سان سو كي»، الحائزة على جائزة نوبل للسلام والمدافعة عن المعارضة الديموقراطية، فوزاً كبيراً، وقال مشيراً إليها: «هذه السيدة هي أملنا الكبير.. إنها تستحق دعمنا». لقد كان هتوت أونج محقاً بشأن تحقيق سوكي فوزاً كاسحاً، لكنه لم يستطع استشراف المستقبل، وبفضل انتصار «سو كي» الانتخابي، تولى حزبها، «الرابطة القومية من أجل الديموقراطية»، السلطة في يناير 2016، واضطلعت سو كي بالسلطات الأساسية في الحكومة، لكن الغيوم القاتمة غشيت آمال هتوت أونج. فقد وعدت سو كي باتفاق سلام واسع النطاق لإنهاء الحرب طويلة الأمد بين الحكومة المركزية والأقليات العرقية، لكن الصراعات لم تزد إلا تفاقماً، لا سيما محنة مسلمي الروهينجا الذين لا تعترف الغالبية البوذية بوجودهم. والإحجام المذهل من سو كي عن إعلان موقفها من هذه القضية أصاب أنصارها السابقين بالصدمة. صحيح أن الحكومة الجديدة ليس لديها كامل السلطة، لأنه رغم الانتصار الكبير الذي حققه «حزب الرابطة القومية من أجل الديموقراطية»، ما زال الدستور الذي وُضع في فترة حكم المجلس العسكري يمنح سلطات واسعة للجيش، والذي كان في واجهة المعاملة الوحشية للروهينجا، والتي جعلت 120 ألفاً منهم يعانون في مخيمات نزوح، ودفعت أكثر من 65 ألفاً آخرين للفرار نحو بنغلادش. وما كان ينبغي لأي من هذا أن يمنع سو كي من اختبار نفوذها الأدبي، لكنها ما زالت تتردد في اتخاذ موقف. والمدافعون عن سو كي يؤكدون ضرورة منحها وقتاً، لأن هذه مشكلات قائمة منذ عقود ولا أحد يتوقع حلها بين عشية وضحاها، وما زالت لدى الجيش أسباب كثيرة تجعله يرغب في تصعيب حلها على سو كي. لكن تلك الحجة لا تصمد فيما يتعلق بمعاملة الحكومة للصحافة، فقد اعتُقل عشرات الصحفيين منذ مجيء سو كي للسلطة، وفي حالات كثيرة بعد انتقادهم لسو كي أو لأي من قادة حزبها، ووُجهت اتهامات لعدد كبير من الصحفيين بموجب قانون يعود إلى فترة حكم المجلس العسكري يحظر استخدام الاتصالات في «الابتزاز والتهديد والتعطيل وتشويه السمعة وإثارة البلبلة والتأثير بشكل غير متناسب أو التخويف». ويعتقد «شون كريسبين»، من لجنة حماية الصحفيين، أن حكومة سو كي «لم تحرك ساكناً حين طُبقت قوانين عفَّى عليها الزمن لقمع حرية الصحافة. قوانين أعطت حكومتها سلطة قانونية لقمع حرية الصحافة فيما تحتاج البلاد إلى حرية الصحافة والحوار المفتوح». والمقلق هو استهداف منتقدي سو كي، حيث تم استخدام قانون الاتصالات ضد هتوت أونج. ففي الخريف الماضي نشر هتوت أونج تقريراً اتهم مسؤولاً بارزاً من حزب سو كي بالفساد. وبدلاً من إجراء تحقيق مستقل في مزاعم الفساد، استدعت الشرطة هتوت أونج وزميله كاتب التقرير لتوجه لهما تهمة «تشويه السمعة» بموجب قانون الاتصالات. وقد أرسل الرجلان مباشرة إلى سجن «إنساين» ذي السمعة السيئة لدى منتقدي النظام القديم. ولم يُفرج عنهما إلا بعد خمسة أسابيع وبعد دفع كفالة مالية. وعانى هتوت أونج من أزمة قلبية أثناء اعتقاله، وأصدرت شركة هتوت أونج اعتذاراً، لكن المسؤول المعني أعلن مواصلته الدعوى. ولا شك في التأثير العميق والمخيف لهذه الممارسات على صحافة ميانمار. ومن المؤكد أن «سو كي» ليست مسؤولة عن كل بلاء في بلادها، لكن وضعها كزعيمة ديموقراطية منتخبة يجعلها موضع مساءلة، خاصة حين يتعلق الأمر بشؤون لها عليها سلطة، وعليها بالتأكيد ألا تضطهد منتقديها، وألا تسمح لأعضاء حزبها بفعل ذلك. وداعموها في الخارج ينبغي أن يطالبوها بالمعايير الراقية نفسها التي جعلتها مثالاً ناصعاً لمعارضة النظام القديم، وتقاعسها عن هذا خيانة لنضالها إيجابية ولشعب ميانمار. كريستيان كاريل: صحفي أميركي وزميل بارز في معهد ليجاتوم في لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفس»