اتخذت محكمة في فيلادلفيا قراراً مؤسفاً يعيد فتح الجدل القانوني حول ما كان لدى الولايات المتحدة الحق في الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني المخزنة في خوادم حاسوبية أجنبية إذا كانت تابعة لشركات أميركية، وإذا بقي حكم القاضي توماس رويتر قائماً بعد الاستئناف، فإن أي شخص يستعمل شركات إنترنت مقرها في الولايات المتحدة سيتعين عليه أن يتعايش مع فكرة أنه بالنسبة للحكومة الأميركية، فإنه حيثما اشتغلت تلك الشركات فثمة أميركا. إنها مقاربة خطيرة تضر بآفاق التوسع الدولي لشركات التكنولوجيا الأميركية. والواقع أن الزبائن القلقين على الخصوصية في أوروبا أخذوا منذ بعض الوقت يرتابون في تعاون الحكومة الأميركية مع شركات التكنولوجيا الكبرى، مثلما كشف ذلك الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن. واليوم، يريد سياسيون قوميون في بعض البلدان – مثل زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي مارين لوبين – حظر نقل البيانات الشخصية عبر الحدود، غير أن ذلك لا يبدو أنه سيضمن أن الولايات المتحدة لن تصل إليها أيضاً. في يوليو الماضي، كسبت شركة مايكروسوفت قضية ضد الحكومة الأميركية، حاججت فيها بأنها ليست ملزمة بتسليم رسائل بريد إلكتروني مخزنة في خادم حاسوبي في دبلن لمحققين يشتغلون على قضية مخدرات، حيث حكمت المحكمة بأن الكونجرس الأميركي لم يقصد أبداً أن يطبق «قانون الاتصالات المخزنة» خارج أراضي الولايات المتحدة، حكمٌ قد تقوم الحكومة باستئنافه لدى المحكمة العليا، ولكن في انتظار ذلك، تفترض شركات الإنترنت الأميركية أنه إذا كانت الاتصالات مخزنة في الخارج، فإنه لا يحق للسلطات الأميركية الوصول إليها. ووفق هذا التأويل، رفضت شركة جوجل تسليم مكتب التحقيقات الفدرالي البيانات الشخصية الخاصة بمستخدمين، فرفع المكتب دعوى قضائية ضدها في فيلادلفيا. وخلافاً لمايكروسوفت، فإن جوجل لا يعلم المكان المادي لملف من الملفات، لأن نظامه القائم على الذكاء الصناعي يسعى بشكل دائم لتحسين التخزين إلى أقصى حد، وبالتالي فإن أجزاء من ملف ما يمكن أن تكون مخزنة في أماكن جغرافية متعددة في الوقت نفسه. ولكن القاضي رويتر رفض أن يكون ملزماً بسابقة مايكروسوفت، وحاجج لدى نطقه بالحكم بأنه ما دام موظفاً أميركياً في جوجل يستطيع الوصول إلى البيانات باستعمال حاسوب موجود في الولايات المتحدة، فإن ذلك كافٍ. اليوم سيتعين على المحكمة العليا الأميركية على الأرجح اتخاذ موقف بخصوص هذا الموضوع. وقد قررت جوجل استئناف حكم القاضي رويتر، والآن وقد بتنا أمام سابقتين متناقضتين، فلا شك أن الحكومة سترغب في متابعة المعركة حتى النهاية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»