تعيش ليبيا منذ شهور مخاضاً قد يفضي إلى حل يخرجها من أزمتها، حَالَ دون الوصول إليه صراع الإرادات الداخلية، ومطالب وتدخلات وشروط الخارج، بما في ذلك دول الجوار، ومن الذين يشاركون بحزم في محاولة جادة للخروج من النفق المظلم، المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي، مع أطراف أخرى سياسية محلية مدعومة من الدول الكبرى ومن الأمم المتحدة، والفرق بينهما هو: أن حفتر يقدم العسكري على السياسي، وهو يرى محقاً أن الحديث عن الحل السياسي أو الوصول إليه يتطلب الاستقرار وقيام دولة موحدة خالية من الجماعات الإرهابية، وبناء عليه فإن مصير الدولة الليبية مرهون بدور لجيش ليبي قوي مدعوم من الخارج، وفي هذا السياق يمكن فهم علاقته بالولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً مدّه لجسور مع روسيا خاصة في المجال العسكري، من ذلك؛ الزيارة التي قام بها في يناير الماضي إلى حاملة الطائرات الروسية «الأميرال كوزنتسوف». يرى «حفتر» في الدعم (الأميركي- الروسي)- المنتظر للجيش الليبي للقضاء على الإرهاب في بلاده، من خلال تحالفهما معه- المدخل الرئيس لحل الأزمة في بلاده، وهو هنا يراهن على التقارب بين روسيا والولايات المتحدة بهدف استئصال الإرهاب، وإذا تمّ ذلك فإن ليبيا ستكون مجالاً لتقاسم المصالح بين الأميركان والروس. وبغض النظر عن قبول رؤيته تلك أو رفضها من السياسيين في الداخل، ومن الدول ذات المصالح في ليبيا، فإن المشير خليفة حفتر أصبح رقماً صعباً في المعادلة الليبية، لا يمكن تجاوزه أو إبعاده، أو حتى تعطيل دوره، وهو أيضاً الأكثر حضوراً في الميدان، والأعلى صوتاً، كما أنه المصدر الأول للمعلومة لوسائل الإعلام الدولية، والمتابع لتصريحاته يدرك أن الدور الذي يقوم به الآن يؤهله ليكون الفاعل الأبرز على الساحة الليبية، بل هناك من يتوقع وصولة إلى سدة الحكم، انطلاقاً من تجربة الجيش في كل من الجزائر ومصر، ودورهما في الحفاظ على كيان الدولة. لقد أعلن «حفتر» في عدة تصريحات أن الشأن الليبي قضيَّة خاصة، وصَعَّد في خطابه لهجة المطالبة الصريحة والعلنية بعدم تدخل المجتمع الدولي في شؤون بلاده، مُبَيِّناً أن «الليبيين هم الذين يقررون ما يلائمهم، ويتعين على المجموعة الدولية أن تدعم هذه القرارات»، على غرار ما جاء في مقابلة معه نشرتها «جورنال دو ديمانش» الفرنسية، الأحد الماضي (الخامس من فبراير الجاري)، وفيها أيضاً انتقد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، الألماني مارتن كوبلر، بقوله: «يحاول كوبلر منذ سنة ترسيخ سلطات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة فايز السراج في طرابلس»، مؤكداً: «إن الليبيين لا يحبون كوبلر.. إنهم يسمونه الشيطان». الواقع أن ليبيا اليوم تعيش تحت وطأة وثقل جرائم شياطين الإنس في الداخل، ومن والاهم ودعَّمهم في الخارج.. أولئك الشياطين يتناسلون بأعداد مخيفة، مُوحُين بعضهم إلى بعض وإلى المجتمع الدولي زخرف القول والفعل غروراً، «وهم الذين زوَّدوا المجتمع الدولي بمعلومات خاطئة يستند إليها لاتخاذ قرارات غير قابلة للتطبيق، وسيئة، لأنه لم يفهم الوضع» كما ذكر حفتر، وبناء عليه فإن حل الأزمة الليبية يبدأ بتصفيد الشياطين ومنعهم من إحداث مزيد من الفتن وإشعال نار الحرب الأهلية، ومن يدري! قد يكون الشرط الذي فرضه خليفة حفتر للقاء رئيس الوزراء السراج، والمتمثل في عدم«تدخل أنصاره» هو بداية لأبعاد شياطين الداخل، في انتظار اجتثاث أمثالهم القادمين من الخارج، وما أكثرهم اليوم في ليبيا.