تستند أهمية إحصاء عدد من يتوفون سنوياً، وأسباب تلك الوفيات، على كونها واحدا من أهم المقاييس المستخدمة لتقييم فعالية النظم الصحية في الدول المختلفة، ومعيارا رئيسيا لتحديد تأثير الأمراض المختلفة والإصابات على صحة أفراد المجتمع. حيث توفر هذه الإحصائيات الفرصة لواضعي الخطط والاستراتيجيات الصحية، لمعرفة ما إذا كان نظام الرعاية الصحية يركز على القضايا الصحية الأهم والأكثر خطورة، أم لا. وحالياً يلقى 57 مليون شخص حتفهم سنوياً -حسب تقديرات 2008- منهم 8 ملايين طفل دون سن الخامسة. وعلى رغم أن الوفيات تطال جميع الدول والمجتمعات دون استثناء، فإن أسبابها وتوزيعها تختلف حسب حجم الدخل القومي لتلك الدول. وتتباين وتتنوع أيضاً أسباب الوفيات، ولذا يتم ترتيبها في قائمة مشؤومة، حسب عدد ضحاياها. وحالياً تحتل أمراض القلب والشرايين رأس قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري بوجه عام، حيث تتسبب أمراض قصور الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب وحدها في 7.3 مليون وفاة سنوياً، بينما تتسبب أمراض الشرايين المغذية للمخ، وما ينتج عنها من سكتة دماغية، بالإضافة إلى بقية أنواع أمراض القلب والشرايين في 6,2 مليون وفاة سنوياً هي الأخرى. ويعتبر التدخين من أهم الأسباب غير المباشرة للوفيات، من خلال تسببه في أمراض القلب والشرايين، والانسداد الرئوي المزمن، وسرطان الرئة. وفي الإجمالي، يتسبب استخدام منتجات التبغ بأشكالها المختلفة في واحدة من كل عشر وفيات بين البالغين حول العالم. وأحياناً ما تقسم الوفيات على حسب طبيعة السبب، مباشر أو غير مباشر، أو المسار الذي تتخذه، مثل وفاة مفاجئة أو موت بطيء. وفي تعريفها الضيق، تعرف الوفاة المفاجئة (Sudden Death) على أنها توقف مباغت في تدفق الدم إلى أجهزة وأعضاء الجسم، نتيجة توقف القلب عن الانقباض. ورغم أن الذبحة الصدرية، وهبوط القلب، هما حالتان تؤديان لتوقف القلب، فإنهما تختلفان في التعريف عن الوفاة المفاجئة. وتتضمن أعراض الوفاة المفاجئة: فقدان الوعي، وعدم انتظام التنفس أو توقفه. وفي بعض الأشخاص يسبق هذه الأعراض آلام في الصدر، وضيق في النفس، وغثيان، وإذا لم يتم التدخل طبياً بشكل سليم في غضون دقائق، فغالباً ما تحدث الوفاة. وتعتبر أمراض الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب، هي السبب الأكثر شيوعاً على الإطلاق، وإنْ كان يمكن أن تحدث الوفاة المفاجئة بسبب نزف غزير مفاجئ، أو نقص الأوكسجين، أو انخفاض حاد في مستوى البوتاسيوم في الدم، أو هبوط وفشل عضلة القلب، أو حتى المجهود البدني الشديد. ومؤخرا تزايد الإدراك بأهمية العوامل أو الأسباب الوراثية، خلف تعرض مئات الآلاف حول العالم -وربما الملايين- للوفاة المفاجئة. وهي الحقيقة التي أكدها تحذير صدر نهاية الأسبوع الماضي عن إحدى المؤسسات الصحية الخيرية العاملة في مجال القلب ببريطانيا (British Heart Foundation)، قدر بأن 620 ألف شخص في بريطانيا وحدها، تحتوي شفرتهم الوراثية على جين معيب، يضعهم تحت خطر الإصابة بمرض الشرايين التاجية، ويعرضهم للوفاة المفاجئة، ولكن الغالبية العظمى منهم غير مدركين لحالتهم تلك. هذا الرقم الهائل، أعلنت المؤسسة أنه أزيد بـ100 ألف عن التقديرات السابقة، وهي الزيادة التي ترد إلى زيادة فهمنا لطبيعة الأمراض الوراثية. ويُقدر أن طفل الشخص المصاب بأحد عيوب القلب الوراثية، معرض بنسبة 50 في المئة لوراثة العيب نفسه، وهو ما يعني أن نصف أطفال الأشخاص المصابين بعيوب وراثية في القلب، مصابون هم أيضاً بهذه العيوب. ومما يزيد الموقف سوءاً، أن عدد المصابين أساساً بعيوب وراثية في القلب، قد يكون أكبر بكثير من التقديرات الحالية، بسبب عدم فهمنا وإدراكنا الكامل حالياً لجميع أصناف وأنواع العيوب الوراثية التي تصيب الجينات بالعطب، بالإضافة إلى أن الكثير من هذه الحالات لا يتم تشخيصها بشكل سليم، أثناء الحياة أو حتى بعد الوفاة. وهو الموقف الذي يترجم في النهاية إلى وفاة 12 شخصاً أسبوعياً في بريطانيا وحدها، لأشخاص دون سن الخامسة والثلاثين، يتمتعون جميعاً بصحة جيدة، ولا يعانون من أمراض واضحة، ولكنهم يلقون جميعاً حتفهم بسبب توقف القلب المباغت دون تفسير واضح لوفاتهم، وإنْ كان يعتقد أن السبب في الغالب هو مرض خفي نتيجة عيب وراثي يصيب قلوبهم. ومؤخراً نجحت الأبحاث الطبية في هذا المجال، في تحديد والتعرف على بعض من الجينات المعيبة التي يمكن أن تؤدي لتوقف القلب المفاجئ، وهو ما أدى بالتبعية إلى تطوير فحوصات وراثية معملية، للأشخاص المعرضين بشكل أكثر للإصابة بهذه العيوب، وإن كان لا زال هناك حاجة ماسة للمزيد من الأبحاث في هذا المجال.