«ربما حان الوقت لإدارة أميركا كبيزنَس». قال ذلك «دونالد ترامب» قبيل انتخابه، وهذا مفتاح فهم ما يفعله الآن. واختلافه عن معظم الساسة لكونه يضع «البيزنس» في خدمة السياسة، ومعظمهم يضع السياسة في خدمة «البيزنس». وحسب ترامب نفسه فإن «إحدى المشكلات الرئيسة اليوم هي أن السياسة خزي، تجعل الناس الجيدين يبتعدون عن العمل في الحكومة». واتهام ترامب بالجنون غير صحيح، فما يفعله حالياً تطبيق لما أكده طوال معركته الانتخابية، وهو «تجفيف مستنقع واشنطن». ومن أقدر على ذلك من رجل أعمال اشترى ساسة من جميع الأحزاب، بمن فيهم منافسته «هيلاري كلنتون». «أعطهم فلوساً وسيفعلون كل ما تريد». وترامب يفكر كمقاول. «الصين تحصل على نفطها من ليبيا، ونحن ننفق مليارات ومليارات ومليارات الدولارات لحراسة العالم، لماذا لا شأن للصين بليبيا، فنحن لا نحصل على النفط من ليبيا». وفي السياسة يتّبعُ أسلوب إدارته لـ«البيزنَس»، وفيه «عندما يتحداك أحدهم رد عليه، كُنْ فظاً وكُنْ قاسياً». وفي كليهما يفعل ذلك غريزياً، «فالطريقة التي أهرول بها أعمالي تبدو أسهل من الطريقة التي أهرول بها حياتي». وفي برنامجه التلفزيوني الواقعي «المتدرب» يحكم فورياً على قدرات المتقدمين للعمل، «لا جدال، ولا محاججات، أنت مطرود». وهكذا مسلسل الطرد، بدءاً من مديري حملته الانتخابية، وحتى المدعية العامة الأميركية، وتهديد سفراء أصدروا بيانات ضد قراراته. «على كل المسؤولين في الخارجية الذين لا يتفقون مع الرئيس تَرْك العمل». وترامب يعي أطواره الغريبة: «أنا أحب خلق تحديات لنفسي. ولعل هذا ليس أمراً حسناً دائماً، فهو يجعل الحياة معقدة». ويحللُّ أيضاً كفيلسوف: «أحاول التعلم من الماضي، لكني أخطط للمستقبل، بالتركيز أساساً على الحاضر». ولن نجد في السياسة العالمية زعيماً مسلياً مثل ترامب. ومن لا يضحكه ترامب لن يضحك لشيء، وأولهم الإعلام الأميركي الكبير، الذي سلبه أعز ما يملك، السبق الصحفي، فاستخدامه «التغريدات» ليس مجرد تجاوز لهم، بل «طلقة الرحمة» على الإعلام الغربي الذي يعاني سكرات الموت منذ ابتكار الإنترنت، ووسائل الإعلام الاجتماعي، وأكذوبة «أسلحة الدمار الشامل». وأستعيرُ منطق ترامب الفكاهي، فأقول: «يقيناً، الآن أؤمن بوجود أسلحة الدمار الشامل العراقية، وإلا كيف انتُخبتُ رئيساً»! والحملة ضد ترامب متعددة الأبعاد ومدوخة، وإذا كان من مردود لدوختي بين المصادر العربية والإنجليزية والروسية، فهو التفكير متعدد الأبعاد. وفي تعليق لي نشرته «نيويورك تايمز» على مقال طبيبة أسترالية تنعي فقدان «فكرة أميركا» عقب انتخاب ترامب: «دكتورة ليزا براير، هل تنعين فكرة قتل ثلاثة ملايين فلاح فيتنامي لا لشيء، ودون الحصول بالمقابل سوى على قتل مئات الآلاف من الشباب الأميركيين الأبرياء، أم تنعين فكرة قتل مليون من مواطني بلدي العراقيين، وإطلاق مذبحة لا تنتهي، ومقابل ذلك خسارة تريليونات الدولارات.. أدعو الله أن يغفر لك». وترامب يقول: «إنه لأمرٌ جيدٌ دائماً أن يُقللَ من قيمتك». والتقليل من قيمة ترامب مفتاح انتصاره في انتخابات الرئاسة، وعدم تقليلنا من قيمته، أنا وزميلي «بوتين» في جامعة «بطرسبرغ»، جعلنا الوحيدين خارج أميركا نتوقع فوزه. وعندما أتّبع نصيحته: «طالما تُفَكِرْ فَكِرْ بشكل كبير»، أتوقع ما قد يتوقعه بوتين أيضاً، وهو أن تكون الصين هدف أول زيارة له إلى الخارج. وفيما يلي التغريدة التي سيبعثها من بكين: «عقدتُ مع الرئيس الصيني أعظم صفقة في التاريخ، نعم أعظم صفقة تبلغ تريليون دولار لتصدير ملايين السيارات وأنظمة الكومبيوتر الأميركية إلى الصين»!