يواصل الناس ترديد العبارة القائلة إن ترامب رئيس شعبوي. وأنا، شخصياً، لا أظن أن الكلمة تعني نفس الشيء، الذي يعتقد الناس أنها تعنيه. حسناً، وإذا كان بمقدور ترامب قول ذلك عن قاضٍ أصدر حكماً ضده، فمن المؤكد أننا نستطيع قولها عنه، وهو بذلك ربما يعمد لتوجيه مشاعر العنصرية والتعصب، لدى بعض الأميركيين العاديين إلى مسارات تخدم مصالحه في النهاية، وفي سياق قيامه بذلك، يلصق صفات العنصرية والتعصب بالنخب الحساسة، المدققة، التي تأخذ موضوع الدستور جدياً، وحرفياً. أما بالنسبة لسياساته الاقتصادية، فهي لم تفعل شيئاً حتى الآن، سوى تمكين المشروعات- التي تعاني مشكلات - من خداع، واستغلال المواطن الأميركي العادي. في الأسبوع الماضي، أصدر ترامب مذكرة تدعو وزارة العمل إلى إعادة النظر في «القاعدة الائتمانية» التي تلزم المستشارين الماليين، بالعمل من أجل مصلحة زبائنهم- بدلاً من توجيه هؤلاء الزبائن إلى استثمارات يحصل هؤلاء المستشارون بموجبها على عمولات كبيرة. كما أصدر أيضاً أمراً تنفيذياً، مخصصاً لإضعاف القانون الإصلاحي المعروف بقانون«دود- فرانك» المالي، الذي جرى تفعيله عام 2010 في أعقاب الأزمة المالية. كلا الخطوتين تتماشيان إلى حد كبير، مع أولويات «الجمهوريين»، من أعضاء الكونجرس، والصناعة المالية- بطبيعة الحال. وهاتان المجموعتان تحملان كراهية كبيرة للغاية للتنظيم المالي، وخصوصاً عندما يساعد هذا التنظيم على حماية العائلات، من الممارسات الفجة. السؤال هنا، وبعد أخذ كل العوامل في الاعتبار، هو: لماذا صيغت «القاعدة الائتمانية» في الأصل؟ الموضوع الرئيسي هنا هو مدخرات التقاعد- خطة 401 (كيه) وغيرها من خطط المعاش، التي تعتبر هي المصدر الرئيسي للدخل للأميركيين بعد التقاعد- بالإضافة بالطبع إلى الضمان الاجتماعي. من أجل استثمار هذه الدخول، لجأ الناس، عديمي الخبرة، إلى الخبراء الماليين- ولكن معظمهم، لم يكن يعرف، على الأرجح، أن هؤلاء الخبراء لم يكونوا ملزمين قانونياً بتقديم النصيحة، وتعظيم عوائد زبائنهم المالية، بدلاً من تعظيم دخولهم- هم- الشخصية. هذا موضوع خطير في الحقيقة. فقد تبين من دراسة أجرتها إدارة أوباما أن «النصائح الاستثمارية المتضاربة»، كانت تؤدي لتقليص مدخرات تقاعد الأميركيين بمقدار 17 مليار دولار كل عام؟ والسؤال: أين كان يذهب هذا المبلغ الضخم؟ الإجابة أنه كان يذهب إلى جيوب لاعبين متنوعين في الصناعة المالية. والمشكلة أننا نجد أمامنا الآن بيتاً أبيض يحاول أن يتأكد من أن هذه اللعبة ستستمر. أما بخصوص قانون «دود-فرانك»، فإن «الجمهوريين» يريدون إلغاء القانون برمته، ولكنهم لا يملكون على الأرجح عدد الأصوات الكافي لتنفيذ ذلك. والشيء الذي يمكن لهم أن يفعلوه، هو عرقلة عملية تنفيذ القانون، وبوجه خاص عن طريق تقويض «مكتب الحماية المالية للمستهلكين»، الذي يهدف لحماية العائلات العادية من الحيل المالية. ومن المعروف أن هذا المكتب، كان قد حقق نجاحاً كبيراً في تحقيق الهدف المتوخى من إنشائه، حيث نجح في زيادة مستويات الشفافية، وتخفيض الرسوم، والكشف عن حالات الغش والاحتيال، وكذلك العديد من الفضائح المالية. وهنا يكون السؤال المنطقي: ما سبب وضع موضوع قوانين حماية المستهلكين، في مرمى نيران إدارة ترامب؟ يقدم ترامب نفسه تفسيراً غريباً لعدائه للإصلاح المالي، وهو أن ذلك الإصلاح يضر بتوافر الائتمان، حيث يقول عن ذلك:«لدى الكثير من الناس، وبعضهم من أصدقائي ممن لديهم مشروعات جيدة، ولكنهم غير قادرين مع ذلك على اقتراض النقود». في الحقيقة أنني أود أن أعرف ما هي هذه «المشاريع التجارية الجيدة» التي يتحدث عنها ترامب. إن الشيء الذي نعرفه حق المعرفة، هو أن بنوك الولايات المتحدة، بشكل عام، قد نأت بنفسها عن مشروعات ترامب، والتي لم يعمل على الفصل ما بينه وبينها بأي طريقة من الطرق. ولكن المقترضين المحتملين الآخرين، لا يبدون أنهم يعانون من أي مشكلة، حيث نجد أن 4 في المئة فقط من المؤسسات الصغيرة التي شملها المسح الذي أجراه «الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة»، هي التي أبلغت عن عدم رضاها عن مستوى توافر القروض، وهو معدل منخفض. ويمكن القول بشكل عام إن مستوى الإقراض الذي توفره البنوك الأميركية قد ظل مرتفعاً منذ تفعيل قانون «دود- فرانك»، إذن، ما الذي يحرك الهجوم على التنظيم المالي؟ حسناً، هناك الكثير من الأموال على المحك، وهي أموال دأبت الصناعة المالية على انتزاعها من المستهلكين الغافلين، وغير المحميين. والإصلاح المالي كان قد بدأ يقلص من هذه الانتهاكات، ولكن من الواضح لنا الآن أنه قد بات لدينا قيادة سياسية، مصممة على إيقاف عملية التقليص هذه، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، أي جعل النهب المالي شرساً مثلما كان من قبل.