لا يكفّ نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن الاستعانة بألفاظ ومقولات توراتية حول أفضلية اليهود على غيرهم من الشعوب وأهل الملل الأخرى وباعتبارهم «شعب الله المختار». لا يمكن بأي حال أن نلومه أو نقول عنه إنه إرهابي، فهو يحتل بجيشه أرض فلسطين لهدف ديني محض، ويرأس الدولة التي قامت على أساس ديني محض، وبهدف ديني محض.. فهي لا يمكنها أن تدّعي أنها دولة علمانية، في الوقت الذي تتزعم فيه شخصيات دينية متطرفة مناصب عليا في هذه الدولة. فإسرائيل المقامة في فلسطين لا تختلف عن إيران، فكلتاهما دولة دينية، تملك مرجعية دينية تسندها في كل قراراتها السياسية والعسكرية. وبالتالي فإنه لم يعد من الممكن الحديث عن الإرهاب دون الإشارة إلى هذين النموذجين، حيث تحتل إسرائيل أراضي عربية وكذلك تفعل مثلها إيران. ولا أعلم أين الدين في احتلال أراضٍ ودول وسفك دماء شعوب، دفاعاً عن وجهة نظر إجرامية. فالإجرام الذي تمارسه إسرائيل لا يختلف كثيراً عما تقترفه إيران، فالنظامان اعتادا مص الدماء والاعتداء على الشعوب. والأمر الآخر هو إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلي على استخدام لغة دينية صرف، كأنه يتسلح بها ليتسول رضا شعبه، ولو تعاطى مثل هذا الخطاب الديني رئيس مسلم لاتُّهم بالإرهاب فوراً ولتحول في الإعلام الغربي إلى قاتل ومجرم حتى إشعار آخر، ولصارت التفسيرات تسير نحو تصنيفة كداعم للإرهاب! لا شك في أن المكيال العالمي مزدوج ومتناقض ولم ينصف على امتداد ستين عاماً، هي عمر احتلال فلسطين، هذه البلاد المحتلة وأهلها، من ادعاء ديني توراتي أصبح المتكأ الأيديولوجي لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم. هذه الأكذوبة التي صدقتها اللوبيات الصهيونية كانت دائماً تستند إلى مقولات دينية توارتية، مع كل الفخر والاعتزاز بكونها منظمات يهودية قادتها متدينون ويدافعون عن دينهم وتدينهم. ولا شيء يخجل منه الصهيوني، فكل ادعاءاته وأكاذيبه مقبولة لدى شعبه، فالقبول الشعبي هو معيار النجاح لأي دولة مهما كانت مقومات قيامها أو نهضتها. وهو تقريباً ذات الأمر الذي يحدث في إيران التي جنت الويلات من حروبها في لبنان واليمن وسوريا، وهي تستقيل كل يوم نعوش جنودها. لقد وجدت حاضنة شعبية استطاعت بمزاعمها الدينية أن تدجنها، فأعطت لنفسها الحق في إقامة وإسقاط دول وفقاً لمصالحها ومصالح ملاليها الملطخة بدماء الأبرياء. هناك عدة دول عربية تعيش اليوم حروباً بسبب إيران، وفلسطين تعاني الأمرّين بسبب إسرائيل، مما يجعل شعوب العالم العربي تصب لعناتها على هاتين الدولتين وتقاوم حتى آخر رمق لإيقاف هذا الزحف المسكون بهواجس انتقامية منذ قدم التاريخ. وهذا ما سيكون بالفعل، فالأكاذيب لا يمكنها مقاومة الحقيقة ولا الصمود طويلاً ضد أسئلة الدم والدمار الذي يزداد كل يوم، فقط بانتظار الوقت الذي يقول فيه التاريخ كلمته، وسيحدث ذلك طال الزمان أم قَصُر.