خلال حملته الانتخابية، كان دونالد ترامب يتهم باراك أوباما بمعاملة خصوم أميركا «بحب وعناية» بينما يقابَل حلفاؤنا بـ«الترفع والانتقاد من قبل إدارة تفتقر إلى الوضوح الأخلاقي». والواقع أن ترامب كان محقاً تماماً. فمن إيران إلى كوبا، سعى أوباما جاهداً لاستمالة خصومنا، بينما أساء معاملة أقرب حلفائنا- حيث سمح بالتنمر على إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، وألغى اتفاقات دفاع صاروخي مع بولندا وجمهورية التشيك تملقاً لموسكو. وعليه، فلماذا يفعل ترامب، بعد أقل من أسبوعين على رئاسته، الأشياء نفسها بالضبط التي كان ينتقد من أجلها أوباما- اختلاق المعارك مع أحد أقدم أصدقائنا، أستراليا، ومعاملة خصمنا، روسيا، «بحب وعناية»؟ عندما تحدى «بيل أوريلي» من قناة «فوكس نيوز» ترامب بشأن إشادته بفلاديمير بوتين خلال عطلة نهاية الأسبوع قائلاً: «إن بوتين قاتل»، رد عليه ترامب قائلاً: «ثمة قتلة كثيرون»، مضيفاً: «لدينا قتلة كثيرون. ماذا، أتعتقد أن بلدنا بهذه البراءة؟». والحال أنه لو أن أوباما هو من قال هذه الكلمات، لاستشاط كل محافظي أميركا غضباً. فالمساواة بين أفعال أميركا وأفعال أعدائنا أسلوب يستعمله اليسار. فهل تتذكرون الاستياء الذي انتابنا عندما قال أوباما إن على أميركا أن تترجل من على «حصانها العالي» بخصوص انتقاد الإرهابيين الإسلاميين بسبب «الأعمال الرهيبة» التي ارتُكبت «باسم المسيح» خلال الحملات الصليبية؟ أو حينما ساوى بين عقود من القتل الإرهابي الإيراني والدور الذي لعبته الـ«سي آي إيه» في «الإطاحة بحكومة إيرانية منتخبة ديمقراطياً» خلال الخمسينيات في خطابه سيئ الصيت بالقاهرة؟ فلماذا يتبع ترامب نموذج أوباما، ويقوم بنفس التشبيه الأخلاقي الخاطئ بين الولايات المتحدة وروسيا؟ ففي اللحظة نفسها التي كان يتحدث فيها ترامب مع أوريلي، كان ناشط المعارضة الروسية فلاديمير كارا-مورزا طريح الفراش بمستشفى في موسكو بين الحياة والموت، بعد أن تعرض للتسميم في ظروف غامضة. وكان قد سُمم من قبل في 2015، وتمكن من النجاة من الموت بأعجوبة. أما «جريمته»، فهي السعي لإقناع الكونجرس بفرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا في إطار قانون مانيتسكي، وهو القانون الذي سمي باسم المدافع عن حقوق الإنسان الروسي الذي تعرض للضرب حتى الموت في سجون بوتين. ولكن كارا-مورزا ومانيتسكي ليسا وحيدين. ففي 2015، تم اغتيال ناشط المعارضة بوريس نيمتسوف من قبل مسلح على جسر غير بعيد عن الكريملن. وفي 2016، وجد قاضٍ بريطاني أن بوتين يقف على الأرجح وراء اغتيال ألكسندر ليتفينينكو، وهو جاسوس روسي سابق تحول إلى معارض لبوتين، وتعرض للتسميم في لندن بوساطة مادة البلوتونيوم 210 المشعة. ترامب يقول إنه يريد أن يكون على وئام مع بوتين. والحق أنه لا عيب في أن يسعى المرء لذلك، ولكن أن تكون على وئام مع بوتين لا يقتضي التغاضي عن حملة القتل السياسي هذه، أو القول إن الولايات المتحدة تتصرف على نحو مماثل. ولعل الأدهى من ذلك أن دفاع ترامب عن بوتين أتى بعد أيام قليلة من انتقاده لرئيس الوزراء الأسترالي مالكولم ترنبل على خلفية اتفاق كان قد توصل إليه مع الرئيس أوباما ويقضي باستقبال 1250 لاجئاً من إيران والعراق والصومال وبلدان أخرى. والحال أن أستراليا واحدة من أقرب حلفائنا حيث حاربت إلى جانبنا في كل حرب خضناها خلال القرن الماضي، من الحرب العالمية الأولى إلى العراق وأفغانستان. ولم يكن ثمة ما يدعو إلى أن يقول ترامب لترنبل إن مكالمته كانت «أسوأ مكالمة» يجريها مع زعيم عالمي. ترامب قال خلال حفل إفطار في واشنطن مؤخراً إن علينا «أن نكون صارمين» لأن «العالم في حالة اضطراب». وهو محق في ذلك. فعلى مدى ثماني سنوات، أبدت إدارة أوباما ضعفاً في العالم، وكانت عواقب ذلك كارثية؛ من صعود تنظيم «داعش»، إلى استعمال سوريا لأسلحة كيماوية ضد شعبها، إلى انتشار الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، إلى هجمات الصين الإلكترونية وإنشائها لقواعد عسكرية على جزر متنازع عليها في بحر جنوب الصين. وهو ما يتباين كثيراً مع أوباما، الذي سلم طهران رزماً من العملة الأجنبية على متن طائرات سرية. وبدلاً من اللجوء إلى طائرات من دون طيار لاستهداف الإرهابيين، مثلما فعل أوباما، فإن ترامب وضع جنوداً على الأرض، حيث أرسل فريقاً من قوات العمليات الخاصة إلى اليمن لقتل زعماء «القاعدة». ولا شك أن كل هذه الأمور جيدة، ولكن بينما يتخلص ترامب من سياسات الضعف التي تبناها أوباما، ينبغي له أيضاً أن يتخلى عن عادة أوباما المثيرة للقلق بخصوص معاملة حلفائنا على نحو أسوأ من أعدائنا، والمساواة بين أفعالهم وأفعالنا. مارك ثيسن زميل «معهد المشروع الأميركي» في واشنطن، وكاتب خطابات سابق للرئيس بوش الابن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»