الأمن الإنساني محور الرحى الذي ينبغي أن تُهندَس في ضوئه العلاقات الدولية، لتعكس فكرة التنوّع الثقافي، وتعدّد القيم والمعايير، والاحترام المتبادل بين الحضارات والعقائد المختلفة، وصيانة المقدسات الدينية من الانتهاك أو الاحتقار، وإضفاء الطابع الأخلاقي على السلوكات، بما يحقّق منفعة لأكبر عدد من الأفراد. وها هي الساحة العربية تشهد مزيداً من الفوضى وعدم الاستقرار لأسباب مختلفة أغلبها سياسية، تتمثل في انقلابات عسكرية، وحروب أهلية، وحركات تمرد وانفصال، وبروز صراعات حزبية ودينية وطائفية امتزجت بالجهل والفقر والقمع والكبت والتبعية والبطالة والاستغلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإقصاء والتهميش والإحباط وغيرها، مما نتج عنها أعمال إرهابية عنيفة وصراعات بدأت تتسع وتسير في خطّ تصاعدي بشكل عشوائي أو منظّم لترويع الأبرياء لتطال بقاعاً شتى في العالم، كما أن الاستخدام اللامحدود للوسائل العسكرية والضغوط السياسية في مواجهة القوى المعارضة للولايات المتحدة الأميركية، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام (2001)، شجّع على تنامي ظاهرة الإرهاب عالمياً، وكلّ ثانية من التأخير في مواجهة هذا الإرهاب تزيد تلقائياً في التكلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على مستوى المعمورة. وعولمة التطرّف العنيف وانتشاره في العالم قد ساهمت فيه سهولة السفر وتكنولوجيا الاتصالات، لما تقدّمه من تسهيلات ساعدت على الربط بين تجمعات الإرهابيين، وأسهمت في نشر الفكر المتطرّف لبناء ما يسمى «دولة الخلافة»، وتجنيد الشباب لممارسة العنف، ونشر الرعب، وتهديد أمن المجتمعات. وقد أضحت خطورة ظاهرة الإرهاب واقعاً مفروضاً، وليست حالة وقتية طارئة، جراء الإخفاقات والفشل في التعامل معها، فضلاً عن الاندفاع وراء الشعارات والانقياد خلف التهويل، ولصق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي. وهذا ما جعل مسألة مكافحة الإرهاب على جدول الأعمال الدولي لعدة عقود، وقد دخلت مرحلة تاريخية في عام (2006) عندما وافقت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على استراتيجية عالمية لتنسيق جهودها لمكافحة الإرهاب، ودعم الإدارة السياسية لتلك الدول في مكافحته، وتقديم المساعدة الفعالة لها، وتعزيز قدراتها القانونية والمؤسسية في مكافحة الإرهاب إقليمياً وعالمياً. ودولة الإمارات العربية المتحدة تواصل جهودها في مكافحة التطرف بإنشاء «مركز هداية» في عام (2012)، مركز التميّز الدولي لمكافحة التطرّف العنيف بالتعاون مع بريطانيا ومقرّه في أبوظبي، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعاون دولة الإمارات العربية المتحدة مع منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في مكافحة التطرف العنيف، وفق سياسات وبرامج تستطيع صدّ التصور المتطرف لمن يغذون التطرف، وإنشاء شبكة من الأصوات العامة لمقاومة الأفكار المتطرفة. ويقدّم «مركز هداية» برعاية كبار الخبراء البريطانيين الدعم للحكومات في تطبيق خطط عمل محلية، وتطوير مجموعة من البرامج وفق إطار زمني لمنع التطرف العنيف، وحفظ الأمن المجتمعي، ومعالجة التهويل العالمي المتمثل في عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ونبذ الراديكالية في السجون، ودعم ضحايا الإرهاب، ودور التعليم والأسرة والثقافة ونشر الوسطية الدينية. وفي ضوء ذلك، تشجّع دولة الإمارات شراكات مع الحكومات، ومراكز التدريب الدولية والإقليمية، والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، والمنظمات والخبراء في مجال مكافحة التطرف العنيف، ومراكز البحوث كـ«مركز جنيف للسياسات الأمنية» و«مركز جاكرتا»، وغيرها من المؤسسات الحكومية والخاصة في جميع دول العالم. وما يزال المركز يعمل على إيجاد الأساليب المنهجية لمزيد من فهم تعقيدات ظاهرة التطرف العنيف، ليكون بالإمكان تطوير تدخُّلات فاعلة ومجرّبة ومثبتة وصالحة وموثوق بها، سعياً لتحقيق الاستقرار السياسي في المنطقة العربية، وتوسيع المشاركة السياسية، والقدرة على معالجة الأزمات والانقسامات والتوترات والاستجابة للمطالب الشعبية، حيث إن التنمية والتحديث السياسي يرتبطان بطبيعة العلاقة بين المؤسسات السياسة الفوقية والتحتية، والرسمية وغير الرسمية لتحقيق المطالب الاجتماعية وغيرها.